نظرة قاتمة على مستقبل أميركا

TT

هل بدأت القوة الأميركية في التراجع بالنسبة لبقية العالم؟ هذا السؤال هو محور دراسة استفزازية قامت بها أجهزة الاستخبارات الأميركية بهدف استكشاف الصورة التي سيبدو عليها العالم عام 2030.

والجواب عن هذا السؤال، إذا حكمنا من خلال التعليقات الواردة من لجنة عقدت لمناقشة هذا الموضوع، هو أن الولايات المتحدة تواجه مشكلة خطيرة تتمثل في أن الاقتصاد الأميركي يتباطأ، مقارنة بمنافسيها في آسيا، وهو الأمر الذي سيجعل من الصعب على الولايات المتحدة الاستمرار في لعب دورها القيادي التقليدي في العقود المقبلة. وهذا، بدوره، يمكن أن يؤدي إلى عالم أقل استقرارا.

ويتناقض هذا التشاؤم الموجود في صفوف محللي الاستخبارات تناقضا حادا مع التكهنات المتفائلة التي يصرح بها السياسيون بلا هوادة، خصوصا مرشحي الرئاسة من الجمهوريين، الذين يصفون أميركا بأنها أشعة شمس دائمة والقائدة بغير منازع، ولكن من المؤكد أن هذه ليست هي وجهة نظر المجموعة غير الحزبية التي قامت بهذه الدراسة.

ويجري حاليا إعداد هذه الدراسة السرية المعنونة باسم «الاتجاهات العالمية في عام 2030»، من قبل مجلس الاستخبارات الوطني، الذي يعد جزءا من مكتب مدير الاستخبارات الوطنية. وهذه هي الدراسة الخامسة من هذا القبيل (نشرت الدراسة الأولى في عام 1996، وكانت تتطلع نحو عام 2010) والوحيدة التي تشكك بشكل جذري في استمرار الهيمنة الأميركية على العالم.

وقد قرر المحللون أثناء إعدادهم الدراسة التركيز على دور أميركا في تشكيل مستقبل العالم، حيث يوضح ماثيو بوروز، وهو مستشار في مجلس الاستخبارات الوطني، والمؤلف الرئيسي للدراسة، قائلا: «يجب أن نكون صرحاء مع أنفسنا ونقر بأن هناك تغييرا حدث في مساحة الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة، والدور الذي تلعبه القوى الأخرى الصاعدة»، والذي من شأنه أن يؤثر في الأحداث.

وقد التقى بوروز، وغيره من المساهمين الآخرين في كتابة الدراسة، في واشنطن هذا الشهر لسماع التعليقات الخارجية، وكانت النقاشات التي دارت في هذا اللقاء مثمرة، حيث تم انتقاد ورقة تحمل توقعات متشائمة بعض الشيء حول الاقتصاد الأميركي، التي أعدها يوري دادوش من «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي»، لعدم كونها متشائمة بما فيه الكفاية.

وكان السيناريو الأساسي الذي وضعه دادوش يتنبأ بأن أميركا ستتجنب الجبال الجليدية الاقتصادية وستحقق توازنا في العجز الموجود لديها، وفي مشكلاتها المرتبطة بالديون، حيث سينمو الاقتصاد الأميركي بمعدل 2.7 في المائة سنويا بين عامي 2010 و2030، وأن حصة الدولة من إجمالي الناتج المحلي لمجموعة الـ20 ستنخفض من الثلث إلى الربع تقريبا.

وقد عرض دادوش سيناريو آخر أكثر قتامة يتنبأ فيه بتفكك منطقة اليورو، مما سيؤدى إلى حدوث أزمة مالية ضخمة يمتد تأثيرها إلى الولايات المتحدة، ولكن بعد عدة سنوات من الركود العميق، ستبدأ الولايات المتحدة في التوسع بشكل ضعيف، وفي إطار هذه التوقعات، فإن متوسط النمو في الولايات المتحدة سيصبح 1.5 في المائة فقط خلال عام 2030. وقد كتب دادوش معلقا على السيناريو الثاني الأكثر سلبيه يقول: «ستصبح الولايات المتحدة، نتيجة هذا الانحدار الاقتصادي المتوقع، غير قادرة على القيادة، وغير راغبة فيها على حد سواء».

وقد ظهر توافق في الآراء بين المحللين بأن شيئا أقرب إلى السيناريو المتشائم يجب أن يكون هو السيناريو الأساسي الذي يتم اعتماده، حيث يلخص فريد كيمبي، رئيس «المجلس الأطلسي»، وهو مركز الأبحاث الذي استضاف اللقاء، آراء هؤلاء المحللين، والآراء التي قيلت في لقاء مشابه عقد في الشهر الماضي من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي، من خلال تحذيره من أن التهديد الأكبر للأمن القومي يتمثل في «خطورة انحسار النفوذ الأميركي على المسرح العالمي».

لكن وجهة نظري الخاصة (حيث طُلب مني أن أحلل هذه الكلمات بوصفي صحافيا مستقلا) هو أن القضية الرئيسية تكمن في كيفية تكيف الولايات المتحدة مع الشدائد. وهذا يقدم صورة أكثر تشجيعا إلى حد ما: فمقارنة بمنافسيها، لا يزال لدى أميركا نظام مالي أكثر قابلية للتكيف وشركات عالمية أكثر قوة وثقافة قادرة على استغلال المواهب لديها، علاوة على جيش لا يقارن. إلا أن نقطة الضعف المزمنة في هذه الدولة هي النظام السياسي، الذي يعاني من الاختلال الوظيفي. وإذا ما استطاعت الولايات المتحدة انتخاب قيادة سياسية أفضل، ستتمكن من إدارة مشكلاتهــــــا بصورة تفـــوق أقوى منافسيها. لكن ما الاتجاهات الأخرى التي يتنبأ بها مجلس الاستخبارات الوطني في عام 2030؟ أوضح بوروز أن الدراسة ستنظر في خمس عشرة «تقنية خطيرة» وتأثيراتها المتوقعة؛ وستقوم بدراسة النظام الإداري والفجوة المتزايدة بين وتيرة التغير السياسي والاقتصادي وقدرة النظام الإداري العالمي والقومي والمحلي على الاستجابة لهذا التغير؛ كذلك ستتمكن من التنبؤ بالنزاعات المحتملة، وتقييم الوسائل التي قد تتمكن من خلالها الأسلحة السيبرانية والبيولوجية وغيرها من الأسلحة الجديدة من تمكين الأفراد والجماعات الصغيرة.

ها هو أكثر الهوامش تشويقا بالنسبة لهذا العمل المشؤوم، فقد ذكر بوروز أنه قد ناقش مشروعه لعام 2030 مع محللين من كل أنحاء العالم، ووجد أنهم أقل تشاؤما بشأن التكهنات الأميركية. وأضاف أن «الصينيين هم أول من قال إنهم أكثر تشاؤما بشأن مستقبلنا»، وأضاف أن محللين برازيليين وأتراكا ذكروا الشيء نفسه.

وأشار بوروز إلى أن هذا التقرير النزيه سيصدر بعد الانتخابات الرئاسية التي ستجرى عام 2012. لكن قضية مستقبل أميركا ستشكل دون شك لب الحملة الرئاسية المقبلة.

* خدمة «واشنطن بوست»