المذيعات.. واستحقاق العمر

TT

حاز المضمون السياسي والإعلامي في المقابلة التي أجرتها شبكة «ABC» الأميركية الأسبوع الماضي مع الرئيس السوري بشار الأسد قدرا واسعا من النقاش والتحليل والنقد. وعلى قدر ما كانت مقابلة الأسد تستدعي التأمل لجهة المضامين والمعاني التي حوتها، وهو ما استرسل كثيرون في نقاشه، فإنه لا ينبغي أيضا أن نغفل كم هو مهم التمعن في هوية الصحافية التي أجرت المقابلة..

قد يعرف كثيرون أن باربرا والترز هي صحافية أميركية مخضرمة لها تاريخها ولها حضورها وهي لا تزال نشطة عبر برنامج اجتماعي شهير هو «the View». لكن قد تكون قلة تعرف أن والترز أجرت مقابلتها وسبقها الصحافي، أي زيارة سوريا ومقابلة الأسد، وهي في الثانية والثمانين من عمرها.

ولعمر والترز هنا دلالته.

فقد يطمح أي صحافي شغوف بمهنته إلى أن يتمكن من الاستمرار في عمله قدر ما يستطيع وقدر ما يتاح له وتسمح له طاقته الذهنية والجسدية. هذا الطموح يصبح هاجسا حين تكون المعنية صحافية أو مذيعة، خصوصا في مجتمعاتنا العربية التي لا تزال مترددة وحائرة ولم تحسم موقفها تجاه موقع المرأة وقدراتها ودورها والنظرة إليها، خصوصا في الإعلام ومعظم المجالات العامة.

في إعلامنا، يعتبر العمر استحقاقا مخيفا ومرعبا وداهما لكثيرات ممن بدأن في قطاع الإعلام التلفزيوني الحديث نسبيا مقارنة بالغرب. وللإنصاف فإن رهاب العمر حاضر في الغرب أيضا وبقوة، لكن يشعر المتابع للإعلام الغربي أن المساحة المتاحة للدماء الجديدة والشابة لم تقوّض خبرات كثيرة بل هي تكملها وتتماهى معها.

من يتابع قنواتنا وفضائياتنا ويشاهد أحوال شريحة واسعة من الإعلاميات والمذيعات يشعر بوطأة الخوف من العمر في صفوفهن، من خلال محاولات تنجح أحيانا وتفشل أحيانا كثيرة في التحايل على السنوات التي تراكمت ووقف زحفها ما استطعن إلى ذلك سبيلا.

مقابلة والترز لاقت الكثير من الإطراء في الصحافة الأميركية التي احتفت بقدرة صحافية ثمانينية على مثل هذا النوع من العمل والمهنية. وهي أيضا لاقت انتقادات ممن رأى أنها كان ينبغي أن تكون أكثر حزما في أسئلتها إلى الأسد. المديح والنقد يلتقيان عند فكرة النقاش حول أداء مهني بمعزل عن إرباكات عمر المسائل أو جنسه..

فباربرا والترز كانت صحافية مقاتلة في جزء كبير من حوارها التلفزيوني مع الرئيس الأسد. كررت أسئلة لم تقنعها أجوبة الأسد عليها.. ألحت في طلب الجواب عن أسئلة حاول الأسد التنصل منها. هذا هو تماما ما يجعل من استحقاق العمر في مصلحة السيدة وليس عاملا سلبيا في صورتها.

في فضائنا العربي، ليس صحيحا أن العمر استحقاق سلبي، إذ إنه هكذا، لأن المعيار المهني لا يبدو متحققا في حالات كثيرة.. نعم قد تطلب المؤسسات من مذيعاتها قدرا غير منطقي من حماية المظهر الشاب والحسن فتنجح مذيعات وتفشل أخريات. لكن التحدي هنا يتمثل في مدى سعينا لبناء معرفة نتحدى بها شروط المؤسسات ونفرض عليها شروط المهنة.

diana@ asharqalawsat.com