البطل الغامض بسلامته

TT

اختارت مجلة «تايم» الأميركية «المشارك في الاحتجاجات» شخصية العام 2011، تقديرا منها لأهمية الاحتجاجات التي اجتاحت العالم، من الدول العربية إلى الولايات المتحدة وروسيا. وقالت المجلة إن المحتجين ساهموا «في إعادة تعريف سلطة الشعب» حول العالم. وإن المحتجين جسدوا فكرة أن العمل الفردي قادر على إحداث تغيير جماعي شامل.

كان هناك شخصيات أخرى مرشحة، مثل الدوقة ميدلتون، عروس العام، وستيف جوبز، قائد شركة «أبل» وصانع عالم الاتصالات الحديث، لكن قررت المجلة العريقة، ذات الغلاف الشهير، تسخير غلافها للمحتجين، بالذات العرب طبعا، ولن نجادل هنا في مدى الاتفاق أو الاختلاف في معايير الاختيار، ومدى موافقة أو مخالفة الآخرين لطبيعة هذه التغييرات لمصالح وتفسيرات الفئات الأخرى في هذه المجتمعات، أو حتى الدول المجاورة لها، بل حتى في تقويم المراقبين المستقلين في العالم لمدى فائدة أو ضرر هذه الاحتجاجات للمصالح الاقتصادية والسياسية والاستقرار، لكن ما من جدال أن حدث «المظاهرات» وانفجار الشوارع وسقوط الأنظمة هو الحدث الأكبر الذي يستحق تسليط الضوء عليه، وهو فعلا جدير بغلاف المجلة الأشهر.

شخص غامض، غير معروف، متلثم، وغاضب، وتستطيع أن تتكهن أنه تونسي أو مصري أو يمني أو سوري أو حتى بحريني، تربع على غلاف المجلة، بوصفه معبرا عن شخصية التظاهر المحتج في منطقة الشرق الأوسط، وهو نجم غلاف «التايم» السنوي.

صورة حافلة بالدلالات، فأنت أمام صورة مفتوحة على كل الاحتمالات، وشخص غامض القسمات، والتعابير، سوى إرادة الرفض والانقلاب على الأوضاع القائمة، هل هو ثائر «يساري» ينطلق من تفسيرات يسارية اقتصادية طبقية تركز على قضية العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة؟ أم هو ثائر إسلامي منتم للإخوان أو السلفيين أو من يدور في فلكهما من الجماهير البسيطة، وغرضه استعادة «الفضيلة» للمجتمع، مع توزيع القوت والغذاء وإقامة الحدود الشرعية والخلافة الإسلامية ولو بالتدريج؟ أم هو ثائر قومي يريد استعادة «الكرامة» كما هو اسم احد الأحزاب الناصرية في مصر، وإلغاء كامب ديفيد، والانخراط في معسكر الممانعة بل وقيادته والانتقال من الممانعة إلى المواجهة؟ أم هو ثائر ينتمي لأقلية قبطية أو أمازيغية أو طائفية، يريد إلغاء التمييز الممارس ضد فئته، وإقامة نظام المساواة التامة؟ أم هو مجرد شاب لديه ظلامة شخصية أو شبه شخصية ضد جهاز أمني أو خدمي ما؟

ليست أسئلة عبثية، أو يمكن الإجابة عنها: إنهم كل هؤلاء.

هذا جواب مختصر وجميل في ظاهره، ولكنه جواب مضلل أيضا، إنه لا يعكس انتصارا إيجابيا للفرد في مطلب جماعي «ناضج» ومكتمل، فحصان الثورة له أكثر من سائس يسيرون به لأكثر من اتجاه، وربما تمزق اللجام أو الحصان أو سواعد السواس.

غلاف قدر جماله إلا أنه يثير فعلا الغموض، كغموض بطله.

[email protected]