فتح والرئيس القادم

TT

لا يكف الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن القول إنه لن يرشح نفسه في الانتخابات القادمة المقرر عقدها وفق اتفاق فتح وحماس في الرابع من مايو (أيار) القادم. وقد اختلفت فتح في تفسير أقوال الرئيس، فالبعض يراها تعبيرا عن قرار قطعي لا رجعة عنه، والبعض الآخر يرى أنها من أجل الضغط الداخلي والخارجي، وأن الرئيس عباس حين يرى أن فتح غير مجمعة على مرشح واحد للرئاسة فإنه سيضطر للتراجع عن قراره، وهنالك من يحضرون أنفسهم لبيعة جديدة، يذكرون فيها الرئيس بأن بقاءه على رأس الحركة والسلطة والمنظمة والدولة هو واجب وطني لا بد من استمرار الوفاء به مدى الحياة.. وبين هذين التفسيرين يقف الشعب الفلسطيني حائرا دون الحصول على جواب شاف، فأي التفسيرين هو الحقيقي؟

أجازف ومن موقع شبه محايد بالقول إن الرئيس محمود عباس لا يريد الترشح فعلا، وينتظر ظرفا موضوعيا يوفر له مغادرة سلسة للسلطة، بعد أن آلت إليه بصورة سلسة بعد رحيل المغفور له ياسر عرفات.. وهنا يُطرح السؤال.. ويبدو أن الرئيس عباس طرحه بنفسه على زملائه في اللجنة المركزية مثلما طرحه أكثر من مرة على «التنفيذية» و«الثوري» وأي إطار وطني أو تنظيمي تحدث فيه عن الوضع الداخلي.. السؤال هو: من هو مرشح فتح؟ وما هي الآلية التي ستعتمد لتوفير إجماع ذي أغلبية للمرشح العتيد؟ ربما لم يطرح الرئيس عباس السؤال بهذه الصيغة المباشرة.. إلا أنه طرحه بالمضمون ذاته حين أكد على عدم ترشح، وطلب من زملائه التفاهم على من يرشحونه.

هذا السؤال يجاب عنه في الصالونات المغلقة بسرد عدد كبير من الأسماء، المتطلعة للرئاسة، وكل اسم يرى في نفسه جدارة بأن يقود اليابان، فما بالك بالسلطة الفلسطينية الصغيرة، والمرشحة للانهيار أو تسليم مفتاحها لبيت ايل؟!

وبدل أن نخوض في الأسماء ومبرراتهم لترشيح أنفسهم، فإن علينا أن نلقي نظرة موضوعية على واقع فتح وقدراتها الذاتية والموضوعية على كسب أي انتخابات محتملة.. ولا جدال على أن أمام فتح مواسم انتخابية مزدحمة، تبدأ بالنقابات وتمر بالمجالس المحلية ثم التشريعية والرئاسية وربما الوطنية، أي انتخاب أعضاء المجلس الوطني لمنظمة التحرير. وعرف عن فتح، منذ خسارتها الفادحة في معظم المجالات الانتخابية، أنها إما ندمت على إجراء الانتخابات أو أنها دأبت على التأجيل بعد يقين باستحالة النجاح.. حدث ذلك مرات عدة، وكان غطاء التأجيل جاهزا على الدوام، وهو إما إكراما للوحدة الوطنية بعد ورود أخبار من حماس عن أنها قد تغير رأيها، وإما بقرار حكومي وعادة ما ينبري بعض أعضاء فتح في انتقاده، على اعتبار أنه قرار متسرع ومرتجل لا لزوم له! وبعد التأجيل تجد واحدا أو ربما عشرة يقولون «لقد أنجزنا كل شيء، ونستغرب التأجيل، ولو جرت الانتخابات في موعدها لأغلقنا العدادات»!!

ما كان بالأمس دعونا نسجله على ذمة التاريخ، أما ما سيكون في الغد فمؤشراته واضحة وغير مطمئنة.. إن لم أقل أكثر من ذلك. وهنا لنقرأ لونين فقط من ألوان المزاج الفتحاوي المتعدد..

الأول: المتشائم، وأخال أصحابه يشكلون أغلبية الرأي العام، وبعضهم يدعون إلى التأجيل حتى يأذن الله بأمر ما.

والثاني: متفائل، ويرى في خطاب الرئيس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعضوية اليونسكو، ما يشكل ربيعا فتحاويا يجدر استثماره للفوز في أي انتخابات قادمة!

وبين الأول والثاني أغلبية صامتة، إما بفعل الحيرة في اختيار الموقف وإما بفعل اليقين بأنه لا مجال لإجراء انتخابات أصلا، إما لأن دوافع التأجيل حسب التجربة تبدو أقوى من دوافع الإسراع، وفي كل الحالات يقع لوم ملح على فتح، بأنها لا تعمل بما يكفي كي تنجح سواء في 5/4 أو في العام الذي يليه.. ويغيب عن ذهن الكثيرين من المتفائلين والمتشائمين دعاة الإسراع في إجراء الانتخابات أو تأجيلها حقيقة ربما تكون صادمة لهم.. وهي أن الانتخابات لن تظل إلى الأبد (إجراء أو تأجيلا) مجرد شأن فتحاوي مطلق.. متى أرادت فتح الانتخابات تكون، ومتى أرادت التأجيل يكون، ومتى أرادت أي شيء تقول له كن بإذن الله يكون.. فربما يصمم الرئيس عباس وهذا من حقه، على ترك موقعه بعد سنوات طويلة من العمل، فما المخرج إذن؟.. وربما تلح متطلبات استعادة الوحدة على إجراء الانتخابات في موعدها أو بعد الموعد المحدد بأيام أو أسابيع.. فما العمل إذن؟.. أو ربما يلح العالم الذي دفع بـ«الإخوان المسلمين» والسلفيين إلى الواجهة في أقطار عربية أساسية أن يفعلوا الشيء ذاته في ما يتصل بنا، ونحن من يعيش على هبات العالم وشرعيتها، فما العمل إذن؟

إن التأجيل إلى ما لا نهاية ليس وصفة ناجحة تضمن الإفلات من الاستحقاق الانتخابي، وليس مخرجا من عدم اليقين بضمان النجاح. إن المخرج هو الاستعداد للفوز، ولهذا شروط كثيرة، ويتطلب جهدا كبيرا، وتغييرا أساسيا في السلوك والتفكير، وقراءة الواقع كما هو وليس كما يُرغب أن يكون.

إن بين المتفائلين والمتشائمين الفتحاويين نقطة مشتركة ربما لم ينتبهوا إليها بعد، وهي أنهم إن نجحوا فإنهم سيستمرون في قيادة ما تبقى من المشروع الوطني، وإن فشلوا فسيقود غيرهم، وستكون العبرة فادحة حين يخرج غيرهم من صناديق الاقتراع إلى سدة القيادة. أخيرا أسأل الله بكل إخلاص أن يكون المتفائلون على حق، وأن يكون المتشائمون على باطل.. حتى لو كان كاتب هذه السطور يميل إليهم.