من بعد أمرك

TT

أعرف، أعرف سلفا، ماذا تريد أن تقول. كل شيء مضطرب ولا رأي لك. كل شيء هائل وغير مفهوم. لكن ماذا تريد أن تفعل؟ هكذا يدور التاريخ أحيانا على الأبواب؛ يدخل الحلف الأطلسي إلى ليبيا ويخرج الأميركيون من العراق. وفي الحالتين يبدو لك الأمر عاديا. لماذا؟ قد تقول لأن الليبيين والعراقيين وجدوا أن أحدا لا يستطيع اقتلاع الرعب الدائم سوى الأجنبي المؤقت. أنا لا أوافقك. لكنك سوف تقول: وماذا تعني لي موافقتك أو رفضك؟ هل كنت تعيش في بنغازي طوال أربعين عاما؟ هل شاهدت صدام حسين يدخن أطول سيجار كوبي وهو يأمر بإعدام رفاقه؟ ما أهمية رأيك وأنت تمشي في هايد بارك، ثم يمنع عليك الاعتداء على قيلولة البط والحمام؟

لكن أرجوك، لا تقلل من أهمية خروج الأميركيين، ولا تنسَ أنهم أميركيو جورج بوش وديك تشيني ودونالد رامسفيلد! أجل، فهمت. لكنهم يخرجون في لقاء بين نوري المالكي وباراك أوباما. هل كان اللقاء للتعارف؟ هل حضرت إيران وكيف؟ هل حضرت سوريا وكيف؟ هل في إمكانك أن تحدد لي أين يقف نوري المالكي، من الآن وحتى الشهر المقبل، على أبعد تقدير؟

ماذا تريد أن تقول؟ لا أريد أن أقول شيئا. أنا مثلك ليس أمامي سوى أن أدون الذي أمامنا: خرجت مصر تطلب الديمقراطية فجاءتها الديمقراطية بالذين يعتبرونها اختراعا صهيونيا. وخرجت ليبيا تطلب الخلاص من الشر والجنون، ولم تعد بعد. وتحرر العراق من صدام ثم من العراق، والآن يبحث عن «صيغة طائفية» توفر عليه مليون قتيل آخر. بالمناسبة، هل تعرف جنابك، ما هو عدد سكان العراق الحالي؟ مليون قتيل في الحرب مع إيران. أربعة ملايين مهاجر أيام صدام. ثلاثة ملايين بعده. كم بقي ترى في بلاد الرافدين؟

لجأ عراقيون كثيرون إلى سوريا بعدما لجأ عشرات الآلاف قبلا إلى الأردن. الآن يرتعد الباقون من أي حدث، فإلى أين سوف يلجأون؟ الرقم القياسي الوحيد في الأردن؛ قتيل واحد في تسعة أشهر من الاحتجاجات. لماذا لا تعتمد سوريا الوصفة الأردنية بدل النصيحة الإيرانية؟ أي الناس بشر. أو الحل المغربي، أي أن الوطن شراكة.

أين تريد جنابك أن تفرح وأين تريد أن تحزن؟ لقد اختلط عليك الأمر. أعرف شعورك، لأنه اختلط علي كذلك. ولأنني تعلمت أخيرا، وبعد طول سذاجة، أن لا مكان للأمنيات في هذه الدنيا. ولكن ليس بالضرورة أن تؤخذ غلابا أيضا. فقد أصبح من الممكن أن يدخل كارهو الاقتراع إلى الغرف السرية ويخرجوا من الباب الآخر رافعين صور المرشدين.