المتظاهر.. شخصية العام

TT

اختار العديد من الصحف والمجلات العالمية «شخصية المتظاهر» شخصية عام 2011. هذا المتظاهر هو بطل الحدث في دول الربيع العربي، وفي اليونان وإسبانيا والولايات المتحدة وكندا. في دول الربيع، ثار الشباب من أجل إسقاط نظم رأى أنها تمارس الاستبداد وتحجب تداول السلطة وترعى الفساد.

دفع الشباب ثمن ذلك فاتورة باهظة من الشهداء والإصابات والاعتقالات والمفقودين حتى تاريخه. أما في الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا، فإن دوافع الاحتجاج كانت لتسجيل الاعتراض الشديد على ما عرف باسم «الرأسمالية المتوحشة» الفاقدة أي مسؤولية اجتماعية.

هذا النوع من «الرأسمالية المتوحشة»، هو أسوأ استغلال لمبدأ الاقتصاد الحر، الذي تلتهم فيه الحيتان الكبرى الأسماك الصغيرة في أسواق المال والعمل والعقارات. وتسببت الرأسمالية المتوحشة من خلال الشركات العملاقة متعددة الجنسيات في تهديد الاستقرار المالي والاجتماعي لشعوب كثيرة اضطرت أن تدفع فاتورة غالية التكاليف لجشع المضاربات في أسواق البورصة العالمية.

في عالمنا العربي، اهتزت أركان عدة أنظمة ظلمت شعوبها من خلال الاستحواذ السياسي على مصائر البلاد والعباد، مما أدى إلى انتفاع طبقة ضيقة من المنتفعين بالسلطة.

وفي أوروبا والولايات المتحدة تحرك الشباب احتجاجا على سياسات حكومية قامت بتوفير مظلة الأمان لمصالح الشركات العملاقة في المضاربة بمستقبل الأسواق الحالية والأجيال المقبلة.

وعرف العالم أن الشباب هم «ضمير المجتمع»، وهم الكتلة الحرجة النشطة في الشارع السياسي. ومن عاصر الستينات سوف يعرف أن مظاهرات الطلاب في فرنسا (أبريل/ نيسان – مايو/ أيار 1968) كانت المحرك الرئيسي لحركة عالمية من القاهرة إلى جاكارتا ومن نيويورك إلى تورونتو. من هنا، يتعين على صانع القرار العربي أن يتأمل جيدا أحداث الشهور الماضية محليا وإقليميا ودوليا ويجيد قراءة الدلالات العميقة لها. أسهل قراءة مريحة هي أن هؤلاء ليست لديهم الخبرة والحكمة والنضوج اللازم لإدراك عمق أزمات الأوطان. ويأتي دائما التفسير الأمني ليقول: هؤلاء أصابع مدسوسة من قوى عالمية تريد تطبيق مشروع الفوضى الخلاقة في بلداننا.

هذه القراءة شديدة الخطورة، لأنها تقوم على منهج أن العيب ليس فينا كأنظمة ولكن في غيرنا. قد تكون الحكمة ناقصة، وقد تكون هناك قوى متآمرة، ولكن الأمر المؤكد أننا نعيش مجتمعات مأزومة! فلننظر بداخلنا جيدا، ولتكن لدينا شجاعة مواجهة الذات، ولنتحرك قبل فوات الأوان.