رجال الشرفات

TT

تتأمل منى خويص في «رجال الشرفات» ظاهرة الزعماء الشعبويين منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية إلى سقوط معمر القذافي. وتبدأ طبعا بأولئك الذين دمروا أوطانهم وأوطان الآخرين وهم يعبّئون رئات الجماهير بالحقد والفراغ والدمار، وأشهرهم هتلر وموسوليني.

يعرّف الروسي تاغييف «الشعبوية» بالنداء الموجه إلى الشعب بشكل من الديماغوجية، بمعنى مخاطبة الجانب العاطفي والمخيالي للإنسان وليس قدراته الفكرية. لا توجد عقيدة متماسكة أو آيديولوجيا اسمها الشعبوية، بل هناك شعارات، أو نوع من التوليف بين الاحتجاجات الشعبية لكونها أسلوبا سياسيا. يكره الشعبويون النخب والمثقفين ورجال الوعي. ويدعون الجماهير دائما إلى الساحات لإلهائها عن قضاياها ومشاكلها الوجودية. ويفتعلون على الدوام مشاكل خارجية تحت شعارات وطنية أو قومية. ويطلقون تسميات فضفاضة على قضايا صغيرة. وإذ ينتقلون من اليمين إلى اليسار أو من اليسار إلى اليمين يستخدمون الأساليب والمصطلحات نفسها من دون أي تغيير أو تعديل.

ترى المؤلفة أن الجماهير العربية أضاعت عمرا مديدا في الشوارع والساحات، تهتف وتصفق لبطل لا ينتصر، وخطيب لا يحقق وعدا، وزعيم يقودها في متاهات تاريخية لا نهاية لها. وليس على الشعبوي سوى أن يقرأ، بكل بلادة، كل يوم، في الدليل الذي تركه هتلر أو موسوليني. فهو يدّعي الغضب على الدوام، وهو دائما يبحث عن خصم ينازله، وهو دائما له مطالب، ودوما مطالبه باسم الشعب. ولا تنتبه الشعوب إلا بعد حلول الهزائم والدمارات والخراب، إنه كان يخاطبها من شرفة القصر، وكان يثري ويقتات من لحوم الفقراء وآمالهم. ولا تنتبه الأمم إلى أن أول ما يفعله الشعبوي هو إلغاء حركات الإبداع وإلغاء الفرد ووأد الحريات وتعبئة جيش من الجلاوزة والجلادين يحرص على أن لا تردد الناس اسما غير اسمه، وأن لا تطيع أمرا غير أوامره.

تتكرر شخصية الشعبوي دون الاهتمام بأي تحسين عليها: رجل يلغي كل «وسيط» بينه وبين الشعب. يحيط به فقط جلاد يخيف الناس ومنظّر يخترع الشعارات التي سوف يطعمهم إياها في مسيرة الخواء والخراب.

تنقل منى خويص تعريفات مختلفة للشعبوية (دار الفارابي) منها قول آلان تورين: «إن الشعبوية رفض لكل المؤسسات ولكل أنظمة التمثيل وكل مساعي التفكير الحر، وكل ذلك باسم جوهر الشعب، وتعتبر أن الإرهاب هو أقصى أشكال الشعبوية، وبكلام آخر فإن الشعبوية هي اسم آخر للشر السياسي».

«رجال الشرفات»! كانت آخر وقفة لمعمر القذافي على شرفة المباهاة والاستجداء، في البيت «الأثري» الوحيد، الذي سمح للناس بزيارته. الباقي كان هو الماضي والحاضر والمستقبل. هو موسوليني. هو هتلر. هو تشاوشسكو. النهايات لا تتغير أيضا.