الإيرانيون إلى العراق!

TT

رغم أن أحد مسؤولي البيت الأبيض جاهد كثيرا للدفاع عن ضيفه نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي، مؤكدا على أنه نتاج الديمقراطية الجديدة، ونافيا ما يردد كثيرا عن أنه يدار من قبل طهران؛ رغم ذلك لم تعد واشنطن فعلا مقتنعة بما تقوله عن المالكي، فهو - كما قال عنه نائبه صالح المطلك - ديكتاتور مطلق، وتعرف جيدا أن الزحف الإيراني على العراق حقيقي، وإن لم يكن بصورة عسكرية، بل يتم عبر صور مختلفة.

أما لماذا يبدو باراك أوباما نائما، ربما لأنه يتعمد تحاشي التورط في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة، بثوراتها ونزاعاتها وسلامها، لأنه يريد الفوز العام المقبل في الانتخابات الرئاسية، وحظه جيد بأن يكسب ولاية ثانية إن استمر الاقتصاد في تحسنه ولم يتورط في حروب تعقد وضعه. وهذا يفسر إصراره على الانسحاب من العراق رافضا العروض التفاوضية وتحذيرات كثير من الدول الصديقة بأن العراق رقم سياسي مهم العام المقبل مع ارتفاع التهديدات على موارد النفط الخليجية نتيجة زيادة حصار إيران بسبب اقترابها من امتلاك القوة النووية، وسقوط نظام الأسد في سوريا.

لكن أحداث المنطقة لن تتوقف لأن أوباما خرج من اللعبة عسكريا وسياسيا، بل ستزداد حدة. والإيرانيون هم أكثر اللاعبين استعجالا ورغبة في ملء بعض الفراغ الأميركي، خاصة في العراق. وما تزامن إعلان حكومة المالكي منح عقود للصين وإيران في مجال الكهرباء بمليار ومائتي مليون دولار إلا مؤشر إضافي على التقارب مع النظام الإيراني الذي لم يشتهر بأنه مصدر للتقنية الكهربائية. أيضا، ما أوردته الـ«واشنطن بوست» عن التململ داخل مدينة النجف العراقية من وصول رجل دين إيراني بارز للإقامة في المدينة المقدسة الذي قوطع من قبل رجال الدين. والأهم والأخطر توارد الكثير من التقارير التي تؤكد أن حكومة المالكي تنقل النفط العراقي لدعم القوات السورية التي بدون هذه الإمدادات ستتوقف عن عملياتها العسكرية في مئات المدن والقرى الثائرة على نظام الأسد. وأهميتها أنها تدلل على أن السلطة العراقية تحولت إلى وكيل للنظام الإيراني الذي قطعت الممرات التي كانت تصله سابقا بسوريا، وتحديدا إغلاق الأراضي التركية في وجه إمداداته للنظام السوري. وطهران تعاني كذلك من شح العملة الصعبة بسبب الحصار الذي فرضته أوروبا عليها، والمتوقع أن تنضم الولايات المتحدة إليها فتقاطع البنك المركزي الذي سيكون أكبر ضربة للنظام الإيراني منذ قيام الثورة.

وهذا يجعلنا نتوقع أن تندفع إيران بقوة نحو الهيمنة على العراق وتستخدمه مصرفا بنكيا بديلا، وممرا لغسل نشاطاتها المختلفة، وأرضا ترد من خلالها على المصالح الغربية في المنطقة، وتحديدا في الخليج. وبسبب الزحف الإيراني سيكون العراق، الذي يشعر بالسعادة بخروج القوات الأميركية، مهددا بسنوات إضافية من القلاقل والصراعات الإقليمية على أرضه.

[email protected]