تأملات فلكية

TT

ذهبت كعادتي كل يوم أربعاء لبيت السلام في لندن، فسعدت بالاستماع لمحاضرة من العالم الفلكي العراقي د. عبد العظيم السبتي. شرح فيها الكثير من الأبعاد المكانية والزمانية المذهلة لهذا الكون المحيط بنا. أثار في المناقشة التي تلت ذلك، الزميل غانم جواد والسيدة جبرة الطائي، موضوع تأثير العناصر الكونية كالشمس والقمر والنجوم وأشعتها ونبضتها، تقلصها وتمددها، على سلوك البشر، وهو موضوع يتمسك به ويؤمن به أحد علماء الفلك السويديين. بيد أن أستاذنا الدكتور العراقي استسخف الفكرة واستبعدها.

ولكنه لم يستطع أن يزعزع إيماني بها. فلعل القراء يتذكرون ما كتبته عن دور الشمس في الأزمة الاقتصادية الأوروبية الراهنة. راح الزميل عبد الرزاق صافي يهمس في آذان الآخرين ويقول مبتسما، لا تأخذوا كلام أبو نايل مأخذ الجد. هذه واحدة من السخريات القشطينية التي عودنا عليها.

رحت أنا أيضا أصدق همسات الزميل وأستسخف مقالتي. بيد أن مجلة «الإيكونومست» المحترمة نشرت في الأسبوع التالي مقالة عالجت فيها موضوع الأزمة تحت عنوان «اللاتتيود» (خطوط العرض) فلفتت النظر إلى ما سبق وأشرت إليه، وهو أن الأزمة تمركزت في الدول الجنوبية (ما سميته بالدول المشمسة) ونجت منها الدول الشمالية (ما سميته بالدول اللامشمسة). أوردت المجلة أرقاما وجداول تعكس أسرار هذا التباين. منها أن إنتاجية العمال في الجنوب أقل بكثير من إنتاجية العمال في الدول الشمالية. لمَ هذا التباين؟ تفسيري له يقوم على أثر الأشعة الشمسية. يقل نشاط الإنسان ويميل إلى الراحة والكسل تحت نور الشمس وحرارتها.

من القضايا التي شغلتني لسنين، لماذا استطاع إنسان الشرق الأوسط أن يبدع وينجح في كل شيء قبل ستة آلاف سنة ويفشل في كل شيء الآن؟ كيف استطاع ملوك بابل وآشور أن يجتاحوا المنطقة من أعالي جبال زاغروس إلى ضفاف النيل ووصل فراعنة مصر إلى إثيوبيا والبحر العربي.

وعجزنا اليوم بكل جيوش الدول العربية أن نقهر عصابات صغيرة من الصهاينة في 1948 وكلما خضنا حربا خسرناها وانهزمنا فيها. كيف تعلم أسلافنا وعلموا العالم بناء الدولة وتنظيمها وإقامة حضاراتها المذهلة وأصبحنا في هذه الأيام لا نعرف غير تمزيق دولنا وتهديمها وتقسيمها وتخريب أي شيء فيها؟ كيف كتب حمورابي أول قانون في التاريخ وجلسنا اليوم نمزق قوانيننا واحدا بعد الآخر؟ حيرتني هذه الأسئلة. ولكنني وجدت جوابا لها في محاضرة البروفسور السبتي. لا بد أن تغيرا فلكيا خطيرا مس أشعة الشمس أو جاذبية الأرض أو سرعة دورانها أو زاوية محورها وأثر فينا. فبدلا من تدفق الهيموغلوبين والأوكسجين إلى الأعلى لتغذية المخ كما كان يفعل في زمن رمسيس وسنحاريب، أخذ بفعل تغير الجاذبية يتدفق إلى الأسفل ويغذي وسط الجسم. ومعه انتقل النشاط والتفكير إلى ذلك الجزء. فحل التلف بخلايا المخ ولم يعد يفكر بشيء. هكذا أطعنا وصفقنا 33 سنة لمعتوه مثل صدام حسين و42 سنة لمجنون مطبق مثل معمر القذافي. لا أستطيع حقا أن أجد أي تفسير آخر لمدى غباء وتفاهة وحيوانية الكثير من حكامنا.