حزب الله يقاوم الصدأ

TT

لم تعد أزمة حزب الله من النوع الذي يمكن أن يستعان عليه بالرطانة الخطابية أو بالفحولة اللفظية. كل تصريح لمسؤولي الحزب يكشف عمقا جديدا من أعماق الأزمة. أزمة الدور والهوية والأداء.

تمعنوا مثلا في هذه العبارة: «الاعتداء على اليونيفيل والصواريخ المشبوهة عمل عدواني».

ليست هذه عبارة مقتطعة من تصريح لأي من قادة وشخصيات قوى الرابع عشر من آذار ولا لأي مسؤول حكومي لبناني يبغي مداراة العجز الدولتي اللبناني المزمن بكليشيهات حقوقية سياسية.

بل هي موقف لنائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم تعليقا على السخونة المستجدة جنوب لبنان.

لم يحدد الشيخ قاسم كامل هوية المعتدى عليهم، لكن سياق الأحداث لا يترك مساحة للالتباس. فهو يدين العبوات التي استهدفت اليونيفيل أي القوات الدولية التي يعتبرها الحزب حرس حدود لإسرائيل والتي انتشرت بموجب القرار 1701 الذي وصفه أمين عام حزب الله يوما بالقرار الظالم.

أما الصواريخ التي يغفل تصريح قاسم هوية هدفها فقد صوبت نحو إسرائيل، مما يعني، دون أي تجن، أن قاسم يدين ما يفترض أنه، بلغة الحزب حتى الأمس القريب، عمل جهادي مقاوم.

كان للأمر أن يغدو مفهوما لو امتلك حزب الله الجرأة والقدرة على الشرح للبنانيين مواصفات الصواريخ المشبوهة وتلك المقاومة أو لو زودهم بمنطق متماسك حول فهمه للمقاومة شبه المعدومة منذ اثني عشر عاما ما خلا بضع عمليات تذكيرية، وخطأ استراتيجي «لم يكن يعلم» الحزب أنه سيجر ما جر في يوليو (تموز) 2006.

غير أن منطق الحزب يذهب في وجهة معاكسة تماما لما عبر عنه قاسم.

ففي إحدى ليالي عاشوراء الأخيرة قال أمين عام حزب الله حسن نصر الله «ما يعنينا من خلال تمسّكنا بالسلاح والمقاومة أن نؤدّي ما أمرنا الله به وليس ما يأمرنا الناس به أو ما يتوقعه الناس منا».

دعك أن هذا المنطق لا يقيم وزنا للبشر أو للمؤسسات التي تفصل بينهم وتحكم في شؤونهم. الأزمة أن هذا المنطق لا يشرح كيف أن الله أمر الحزب هذه المرة بالروية والتهدئة وبإدانة الصواريخ والعبوات وشمل بعطف رعايته جنود اليونيفيل والعدو الإسرائيلي.

تماما كما لا يصارح حزب الله اللبنانيين أنه لم ينجح في تحقيق ما يعيب على الدولة اللبنانية فشلها به. فلطالما قال الحزب إن سلاحه ناتج عن قصور الدولة اللبنانية في منع الخروقات الإسرائيلية من دون أن ينتبه أن طائرات العدو كانت تحلق في سماء الضاحية الجنوبية لبيروت ساعة أطل نصر الله علنا على جمهوره بعد بضع سنوات من التخفي.

أزمة حزب الله اليوم أنه يدرك أن بيئته غير جاهزة «لانتصار» جديد في الوقت الذي يؤمن فيه أن السلاح يكاد يكون ميزته التفاضلية الوحيدة. كما يدرك أن مراكمة السلاح في ظل استحالة توظيفه من دون الانتحار مهمة شبه مستحيلة.

مؤخرا قال نصر الله «ما يصدأ من سلاحنا نأتي بغيره».. فلماذا يصدأ السلاح أصلا إن لم يكن من ندرة الاستخدام؟

أليس لافتا أن الحزب المقاوم لم يعد يقاوم شيئا اليوم إلا الصدأ؟