تباطؤ أوباما بشأن أحداث مصر

TT

في وقت مبكر من صباح الخامس والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) وقع تحول كبير في موقف إدارة أوباما العام تجاه المواجهة الجارية آنذاك بين المجلس العسكري الحاكم في مصر والمتظاهرين المطالبين بالديمقراطية في ميدان التحرير بقلب العاصمة المصرية. فقد تخلى البيت الأبيض هذه المرة عن مناشداته الضعيفة لجميع الأطراف بضبط النفس و«أدان الاستخدام المفرط للقوة» ضد المتظاهرين وانحاز إلى مطلبهم الرئيسي عبر التأكيد على ضرورة «الانتقال الكامل للسلطة إلى حكومة مدنية، بأسرع وقت ممكن».

استقبل الجنرالات الرسالة وردوا بشراسة، لكن غالبية المصريين كانوا واضحين، بمن فيهم شباب الثوار والنخبة السياسية المدنية التي تحاول الإدارة دعمها. وعندما تحدثت إلى مجموعة من السياسيين والمتظاهرين في القاهرة بعد عدة أيام من ذلك كانت الغالبية منهم لا تزال غاضبة بشأن الكلمات الهزيلة التي تحدث بها السكرتير الصحافي جاي كارني في الحادي والعشرين من نوفمبر. وربما كان ذلك نتيجة لأن تصريحات كانت متلفزة، في الوقت الذي لم تُذَع فيه التصريحات اللاحقة باسم السكرتير الصحافي في الساعة الثالثة صباحا بتوقيت واشنطن.

قصة هذا البيان مثال واضح على كيفية استمرار تباطؤ الرئيس أوباما بشأن ما وصفه كبار مستشاريه بتحدي السياسية الخارجية الأكبر الذي تواجهه الإدارة. فالرئيس الذي بدأ رئاسته بخطاب لقي صدى واسعا إلى مسلمي العالم من القاهرة، لم يسمع صوته إلا نادرا منذ تحول مصر والدول العربية الأخرى إلى حقبة جديدة بات فيها الرأي العام - الشارع العربي - أكثر أهمية من ذي قبل.

وخلال الشهور الستة الماضية ألقى أوباما كلمتين منفصلتين بشأن الأحداث في الشرق الأوسط، إحداهما في وزارة الخارجية والأخرى في الأمم المتحدة. وفي كلتا الكلمتين تحدث أوباما عن عملية السلام الإسرائيلي - الفلسطيني الراكدة، عوضا عن التغيير الثوري الجاري في الدول العربية. وبعيدا عن هاتين الكلمتين نادرا ما تحدث الرئيس عن التغيير الجاري في مصر أو أحداث البحرين أو النزاع المدني المحوري في سوريا. ومرت شهور من الصمت الرئاسي، ولم تطالعنا الإدارات الصحافية في وزارة الخارجية أو البيت الأبيض سوى ببيانات روتينية.

وقد يكون من الصعب التهرب من الاعتقاد بأن الرئيس أوباما لا يهتم كثيرا بالنضال من أجل الحرية في الشرق الأوسط أو يراه مصدر إلهاء عن أولوياته. على أية حال، واصل الرئيس الحديث على نحو متقطع وبصورة استفزازية على الأغلب حول القضايا الإنسانية للدولة الفلسطينية ومنع الانتشار النووي، التي ورثها عن الإدارة السابقة. وقد دشن مؤخرا محورا لقي تأييدا كبيرا في سياسته الخارجية تجاه آسيا، منطقة ذات أهمية حاسمة بالنسبة للولايات المتحدة، لكنها خالية من الأزمات، ناهيك بوجود أي انقلاب تاريخي تشهده في الوقت الراهن.

لماذا يحتل هذا الأمر أهمية خاصة؟ لأنها المرة الأولى في عصر من العصور تحتاج الولايات المتحدة إلى إعادة صياغة علاقاتها الخارجية مع دول مثل مصر، ولم يعد بمقدورها القيام بذلك عبر كتابة الشيكات أو التزويد بالدبابات. وخلال السنوات القليلة القادمة سيحتاج 80 مليون مصري وممثلوهم المنتخبون إلى أن يكونوا أكثر اقتناعا بأن التحالف مع الولايات المتحدة يستحق الحفاظ عليه.

حتى الآن، هذه التوجهات ليست جيدة، وبحسب استطلاع الرأي العربي الذي أجراه شبلي تلحمي بجامعة ميريلاند مع مؤسسة «زغبي» الدولية، كان نصيب العرب الذين يحملون وجهة نظر إيجابية تجاه موقف الرئيس أوباما 34 في المائة، مقارنه بـ39 عام 2009. وقد زادت شعبية الرئيس منذ بداية الربيع العربي، لكن عندما سئل الأفراد عن الدول التي لعبت دورا أكثر تأثيرا جاءت تركيا وفرنسا في المركز الأول، ثم الولايات المتحدة بفارق ضئيل عن الصين التي حلت في المركز الثالث.

وعادة ما يؤكد مسؤولو الإدارة أن من الأفضل لواشنطن أن لا تضطلع بدور بارز في أحداث الشرق الأوسط، على الرغم من استفادة فرنسا بشكل واضح من الدعم العلني الكبير الذي أبداه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تجاه الثورات. والحقيقة هي أن أعدادا كبيرة من العرب أيضا لا يعرفون ماهية السياسة الأميركية أو يخطئون فهمها. وغالبية المصريين الذين تحدثت معهم خلال زيارتي الأخيرة إلى القاهرة - وفيهم مفكرون سياسيون - يعتقدون أن أولويات أوباما تتمثل في دعم الجيش المصري وإسرائيل بغض النظر عن تطلعاتهم.

هناك بطبيعة الحال طرق يمكن للولايات المتحدة من خلالها أن تظهر تقديرها المستمر لمصر وجيرانها، وهو ما قد يكون أكثر من أي تصريحات عامة. ومساعدة الاقتصادات التي دمرتها الثورات يمكن أن تكون محورية خلال السنوات القليلة القادمة. والتعاون الأمني في أماكن مثل شبه جزيرة سيناء، حيث يتوقع أن تسعى «القاعدة» إلى إيجاد موطئ قدم لها هناك، قد يؤتي ثماره أيضا.

لكن العرب بحاجة أيضا إلى سماع ورؤية دعم القيادة الأميركية لتطلعاتهم الديمقراطية. لكن القيادة تتحرك ببطء في هذا الاتجاه. فعلى سبيل المثال، طالبت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، مؤخرا، الإسلاميين والمجلس العسكري بالالتزام بمبادئ الديمقراطية، بيد أن الرسالة بحاجة إلى أن تصبح أكثر توافقا، وأكثر تكرارا مما هي عليه، وبحاجة إلى أن تصدر عن الرئيس.

* خدمة «واشنطن بوست»