يوم الصحافة عقاب

TT

يروي طلال سلمان في صحيفته «السفير» ذكريات الأيام الأولى من العمل في الصحافة اللبنانية، يوم كان يقطع بيروت كل يوم على قدميه، من أجل مرتب صغير، يحسم عليه سلفا، كما في المسرحيات المصرية الهزلية. تبدو السنوات الأولى مثل رواية درامية: صحافة يدوية حرفية، يملكها رجال بلا موارد، وعاصمة لم تعرف الازدهار بعد (1956). ومن ثم، بمحض الصدفة، يتعرف «الفتى»، إلى أول صحافي مهني، فيدعوه إلى العمل معه.

كان اسمه سليم اللوزي، ومجلته «الحوادث». وسليم اللوزي كان عائدا من العمل في «الهلال» و«روز اليوسف» بعد رحلة قصيرة إلى «إذاعة الشرق الأدنى» في فلسطين. ذهب إلى هناك للخلاص من حياة أبيه الذي يدور في شوارع طرابلس وعلى رأسه «صدر حلويات» للبيع. كان صوته جميلا ويحلم بأن يصبح مطربا. لكن أحد مديري الإذاعة دله على درب الكتابة. وسوف يصبح صاحب أنجح مجلة أسبوعية في العالم العربي.

كان سر سليم اللوزي، حيث بدأ طلال سلمان العمل بـ125 ليرة في الشهر (30 دولارا) معرفته في استثمار المواهب، من «الفتى» الناشئ إلى منح الصلح، المفكر والمؤرخ والسياسي، الذي يغني اجتماعات مجلس التحرير بأفكاره وتصحيحاته وبالضوابط التي يضعها أمام اللوزي.

خرجت الصحافة في تلك المرحلة من يوميات ساحة البرج إلى المهنية الحديثة. ومعها تطور طلال سلمان وجيله ورفاقه. والجميل في ذكريات طلال أنها ذكريات جيل كامل. وإذ كانت تسمى يومها «مهنة المتاعب» فلأنها في حد ذاتها كان فيها شقاء وعسر وشدة. غير أن هذا كان أيضا جيل الذين تعبوا ونبغوا. وتحولوا من ناشئين يلمون كل صباح تقارير الشرطة والإطفائية، كما بدأ طلال، إلى صحافيين وكتاب على مستوى العالم العربي.

هل الشقاء ضرورة لصنع الصحافي الجيد؟ أتأمل في سيرة أصحاب المدارس الصحافية الكبرى: كامل مروة، سعيد فريحة، سليم اللوزي، وجبران تويني الجد، فأجد أن الشقاء كان المعلم الخفي. جميع هؤلاء بدأوا في أكواخ صغيرة في وسط بيروت وصارت صحفهم وأسماؤهم تلمع في بلاد العرب. وذكريات طلال سلمان شاهد على ذلك. وفيها من متعة الفوز أكثر مما فيها من مرارة البدء.