ليبارك الرب أميركا تحت حكم نيوت غينغريتش!

TT

في مقال سمير عطا الله المنشور في عدد «الشرق الأوسط» الصادر في 10 ديسمبر (كانون الأول) تحت عنوان «ربيع أميركا»، ركز على لقاء نيوت غينغريتش الذي أبرز فيه فكره شديد العداء للفلسطينيين.

«يبدأ أول مرشح جمهوري بارز حملته الانتخابية بالقول إن الفلسطينيين شعب لا وجود له، ذاهبا في استجداء دعم اللوبي الإسرائيلي إلى ادعاء لم تبلغه غولدا مائير. هذه ليست مشكلة أخلاقية فقط، بل هي مشكلة تأهيل. المرشح نيوت غينغريتش يجهل - أو ينقض - كتب التاريخ المدرجة في البرنامج التعليمي الأميركي».

إضافة إلى ذلك، قال سلام فياض: «هذه التصريحات (قمة في الإسفاف ومرفوضة)، وهي بكل تأكيد إنكار للحقائق التاريخية. وإن شعبنا هنا منذ البدايات وهو مصمم على البقاء على أرضه حتى النهايات.. وعلى غينغريتش وأمثاله أن يراجعوا التاريخ، وفيما يبدو أن ما يعرفه عن التاريخ هو تاريخ الحقبة العثمانية».

أعتقد أن نيوت غينغريتش نسخة جديدة أسوأ من جورج بوش الابن. كما نعلم، كانت معلومات بوش عن تاريخ الإسلام والعرب ضحلة. ما زلنا نتذكر كيف رد على سؤال أحد الصحافيين عشية الانتخابات. سأله الصحافي: «هل يمكن أن تذكر اسم رئيس تايوان؟»، فأجاب بوش: «لي!». بعدها، سأله الصحافي: «هل يمكنك أن تذكر اسم الجنرال الذي يحكم باكستان؟»، فجاءت الإجابة: «جنرال!». وعندما سأله: «هل يمكنك أن تذكر اسم رئيس وزراء الهند؟»، لم يجب. ثانيا، نتذكر مدى عشقه لإسرائيل. لدينا حكمة شديدة العمق تقول: «حب الشيء يعمي ويصم».

كانت باربرا بوش، والدة جورج بوش، محقة عندما قالت له: «أنت أول رئيس يهودي»، (كوندوليزا رايس، كتاب «لا شرف أعلى من ذلك»، صفحة 146).

إنها قصة حب، قصة بطلاها الرئيسيان أميركا وإسرائيل. نيوت غينغريتش مؤرخ، وقد حصل على درجة الدكتوراه في التاريخ. وتتمثل إحدى هواياته في القراءة عن الديناصورات. وقد قام بتأليف إحدى روايات الجاسوسية، وألف مؤخرا كتابا عن مستقبل أميركا! وفي مقابلة مع محطة التلفزيون اليهودي، قال غينغريتش: «أرى أن الشعب اليهودي له الحق في أن تكون له دولة. تذكر أنه لم تكن هناك دولة فلسطينية. كانت جزءا من الإمبراطورية العثمانية. وأعتقد أنه كان لدينا شعب فلسطيني مخترع، هو في حقيقة الأمر من العرب، وكان يمثل من الناحية التاريخية جزءا من المجتمع العربي. وكانت لديهم فرصة الذهاب إلى أماكن عدة. وللعديد من الأسباب السياسية، غذينا هذه الحرب ضد إسرائيل منذ الأربعينات من القرن العشرين، وأعتقد أن الوضع مأساوي».

في الصيف، شمل خطاب نيوت إلى الائتلاف اليهودي الجمهوري شرح مقترحاته التسعة. وقد اخترت ثلاثة من بينها: «يجب أن تنقل الولايات المتحدة مقر السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس. لإسرائيل كل الحق، كدولة حرة ذات سيادة، في اختيار عاصمتها ويجب أن نحترم هذا الاختيار. كرئيس، في أول أيام تولي منصبي، سأصدر قرارا بنقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، مثلما أشير في مشروع القرار الذي طرحته على الكونغرس في عام 1995.

يجب أن ترفض الولايات المتحدة بوضوح مفهوم (حق عودة) اللاجئين الفلسطينيين. إن ما يطلق عليه حق العودة مطلب مستحيل تاريخيا سيشكل كارثة ديموغرافية وسيعني نهاية دولة إسرائيل اليهودية.

إذا نزعت إسرائيل سلاحها اليوم، فلن يكون هناك إسرائيل غدا. لكن إذا نزعت إيران وحماس وحزب الله، وغيرها من الجماعات الإرهابية الأخرى، السلاح اليوم، فسيتحقق السلام غدا في الشرق الأوسط».

أعتقد أن غينغريتش هو بوش الجديد، تحديدا بمثل هذا الفكر «فكر بوش نفسه»! إن غينغريتش رجل يعتقد أنه يحمل مسؤولية مقدسة وتاريخية ممثلة في محاربة الشر، معول الشر، أو الفلسطينيين.

من الواضح أن هذا النوع من الفكر مصدره اللوبي الإسرائيلي. على سبيل المثال، وجدت تعليقا شديد الحساسية في عدد صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية الصادر يوم 11 ديسمبر 2011، وكان وثيق الصلة بالحوار الذي أجري مع غينغريتش: «نيوت، كم دفعت لك لجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية (إيباك) كي تردد تلك الأفكار الغبية؟ نعلم أن حملتك مفلسة. أميركا ليست بحاجة إلى رئيس غبي، فقد كان لدينا واحد بالفعل مؤخرا وكان (عهده) كارثيا بالنسبة لجميع الأميركيين. نحن دولة مفلسة» (بيتر من فلوريدا).

الآن، ما الذي يجب أن نفعله مع هذا المرشح، الذي يحتمل أن ينتهي به المطاف إلى أن يصبح الرئيس القادم للولايات المتحدة؟ بناء على أي معايير يمكننا تفسير هذه المسألة الفريدة والكارثة الجديدة المحتملة؟

من الواضح أنه على غرار جورج بوش الابن، لم يقرأ نيوت غينغريتش تاريخ فلسطين. ومن الواضح أيضا أنه يحاول باستماتة الحصول على المال والدعم من اللوبي الإسرائيلي.

والآن، ثمة تساؤل شديد الأهمية يظهر على السطح، ألا وهو: هل سيكون رئيسا مناسبا لأميركا؟ هل سيكون له تأثير إيجابي على علاقة أميركا بالعالم الإسلامي، وبالفلسطينيين، أم لا؟

يبدو الموقف سلاحا ذا حدين.. من جانب، مع تولي غينغريتش منصب الرئيس، ستواجه أميركا مزيدا من المشكلات والكوارث. إنه ليس أفضل من بوش. قيل إن رجلا مسنا كان ذاهبا إلى مكان ما بحماره. وبدأ رجل آخر في ضرب الحمولة التي يحملها الحمار بعصا، وسأل: ما الذي يحمله الحمار؟ فأجابه العجوز قائلا: «إذا وجهت ضربة أخرى، فلن تكون هناك حمولة!»، كان الحمار يحمل بلورات! الديمقراطيون مثل الحمار في القصة! تعلم أن رمز الديمقراطيين هو الحمار. والمسؤولية التي يحملها الديمقراطيون على كاهلهم هي السياسة والاقتصاد والثقافة.

على الجانب الآخر، أعتقد أن انتخاب نيوت غينغريتش كرئيس للولايات المتحدة سيكون ملائما جدا للعالم الإسلامي، وعلى وجه الخصوص لفلسطين. ربما تتساءل عن سبب اعتقادي ذلك.. الإجابة بسيطة، لأنه يرغب في إزالة القناع الذي ترتديه أميركا. إنه يرغب في إظهار الوجه الحقيقي لأميركا للعالم، الوجه الذي ظل مختفيا وراء قناع الديمقراطية والحرية وما إلى ذلك. سوف يضع نيوت غينغريتش نهاية للنفاق.

في أحد الأيام، مع تولي غينغريتش منصب الرئيس، ربما تقول باربرا بوش لابنها: «بالفعل كنت أول رئيس يهودي. لكن اليوم، لدينا رئيس صهيوني متطرف. ليبارك الرب أميركا»!