استخدام القوة

TT

في العالم كله، وأعني بذلك العالم المتحضر الذي يدير جميع شؤونه من خلال حكم القانون، هناك قواعد منظِّمة لتعامل أجهزة الأمن مع المظاهرات أو الاضطرابات.

وتم تعريف هذه القواعد بـ«قواعد الاشتباك والفض»، وهي تقريبا متشابهة؛ لأنها مستمدة من قواعد القوانين الأنجلوسكسونية والمبادئ العالمية لحقوق الإنسان.

من حق الإنسان، أي إنسان، أن يتظاهر سلميا، وفق القواعد والقوانين والمتعارف عليها.

ومن واجب السلطات، أي سلطات، أن ترخص وتحمي هذا التظاهر السلمي، طالما استمر في سلميته.

وقائمة قواعد الاشتباك تبدأ من حماية المظاهرة إلى إنذارها شفهيا إذا تجاوزت، إلى تأمين انسحاب أفرادها سلميا بعد الإنذار، إلى استخدام المياه، ثم الخراطيم الملونة، ثم العصي بالضرب في الأرجل، وصولا إلى قنابل الدخان والغاز.

هنا يأتي السؤال: في أي مرحلة يعطي القانون العام الحق في استخدام الأسلحة النارية ضد المتظاهرين؟

لا يعطي أي قانون الحق في استخدام الأسلحة ضد المتظاهرين طالما التزمت المظاهرة بالسلمية، أما إذا تحولت من سلمية إلى عدائية ضد منشآت أو مركبات أو أفراد، فإن القانون ينظم استخدام الأسلحة من المطاطية إلى الحية، لكن وفق قواعد صارمة للغاية.

وهذه الإشكالية مطروحة يوميا منذ بدء مظاهرات الربيع العربي في تونس واليمن ومصر وسوريا والبحرين.

من لديه الحق في استخدام القوة؟ ومتى يصبح استخدامها «حقا» أو «جريمة»؟

ليس لدينا تراث في التظاهر السلمي، وبالتالي ليست لدينا تجارب عملية في قواعد الاشتباك الأمني المستمدة من القانون المدني الغائم على مبادئ حقوق الإنسان.

الأمر الذي يحزنني للغاية أننا وصلنا في عالمنا العربي، وياللأسف، إلى ظاهرة «الشقيق العدو»، تلك المرحلة التي يتخندق فيها كل منا في وجه الآخر حاملا الحجارة والمولوتوف، وصولا إلى مرحلة الصدام بالرصاص المطاطي والحي.

هل حروب الشارع هذه ستؤدي إلى حسم الأمر بأن يقصي طرف الآخر؟ بالطبع لا. إنه أمر غير مُجدٍ عمليا، وغير مقبول أخلاقيا.

إنه سلوك عدمي.. إنها حرب اللامنتصر!