دراجة كهربائية في القصر

TT

بعد خروج فاتسلاف هافل من رئاسة تشيكيا، جاء إلى لندن زائرا عاديا، وفي إحدى يوميات المشي إلى هارودس، شاهدته على الرصيف، إلى جانبه زوجته الثانية، التي كانت ملكة جمال براغ. ما أن وصل إلى الرئاسة والأضواء، حتى طلق أولغا هافلوفا، التي كتب لها من السجن أجمل رسائل الحب، وأحزن وصف لحياة السجون. واتجه إلى أرفع الجمال التشيكي.

في اعتقادي المتواضع أن الشيوعية الكبرى هزمت على أيدي الضعفاء، أشهرهم الكاتب المسرحي هافل، والعامل الكهربائي ليك فاليسا، في بولندا. وفي أطروحته الشهيرة «قوة الذين لا قوة لهم» يشرح هافل كيف هزمت القوة السوفياتية الكبرى، شيئا فشيئا، أمام القوة التي شكلها المهمشون في المجتمع الشيوعي. وإذ تحدث، فيما بعد، عن أهم إنجاز في حياته السياسية قال: إنه تزعمه لعملية حل حلف فرصوفيا، الذي كان يضم موسكو والكتلة الأوروبية الشرقية، أو بالأحرى الحلف الذي احتلت دباباته عاصمة بلاده في «ربيع براغ».

تحول الكاتب المسرحي إلى رئيس قدير، وبقي مسرحيا يتصرف وكأنه لا يجيد تقليد الكبار والأغنياء، وفي قصر الحكم التاريخي الضخم، ظل يتنقل على دراجة كهربائية، بسبب مرضه الرئوي الناتج عن كثرة التدخين. وفي عهده حصلت أنجح عملية انفصال مخملية في التاريخ، ما بين تشيكيا وسلوفاكيا. ولم يكن سهلا ولا لينا في مواجهة خصومه أو في مداراتهم، ولم يكن يخفي ازدراءه لرئيس وزرائه فاتسلاف كلاوس، ومستواه الفكري.

قال في محاضرة له في جامعة كولومبيا: إنه كلما مضى عليه يوم جديد في الرئاسة ازداد خوفه من أنه لا يستحق المنصب، وقال: إنه كلما جلس ليكتب خطابا جديدا خاف أن يكرر نفسه، لأنه لم يعد لديه جديد يقوله. يشبه هافل، الخارج من السجن إلى الحكم، إلى حد ما، إلى حد بسيط ما، نيلسون مانديلا. كلاهما كان وصوله إلى الحكم إيذانا بسقوط سجن كبير. السجن العنصري الظلامي في جنوب أفريقيا، والسجن الستاليني في أوروبا ما بعد الحرب.