مساحة شاسعة تفصل بين استجابة الكونغرس وتحديات الاقتصاد الأميركي

TT

القول إن الكونغرس غير محبوب أشبه بالقول إن الماء رطب أو إن كرة القدم في الجامعة عمل فاسد، فهذا أمر واضح للغاية كما يفترض به أن يكون كذلك. ومع ذلك، ففي عام 2011، انخفض أداء الكونغرس، وحتى ثقة الأميركيين فيه.

إن المسألة لا تتمثل في عدم قيام المشرعين ببذل قدر كبير من الجهد في عام 2011. المسألة هي أنهم لم يبذلوا كثيرا من الجهد لإخراجه من الهاوية، وتزداد حدة القلق الجماعي لدى الشعب بأكمله، ولأول مرة في الذاكرة الحديثة، تبدو أسسنا المالية مترنحة بالفعل.

وقد تسبب التباين الشاسع بين ضخامة مشكلات الدولة وضآلة دور الكونغرس في انخفاض معدلات تأييده لتصل إلى معدلات تأييد تجار السيارات المستعملة (أو حتى الصحافيين). وقد وضح استفتاء أجراه مؤخرا قسم «إيه بي سي نيوز» في صحيفة «واشنطن بوست» في بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) أن 14 في المائة فقط من الشعب الأميركي يؤيدون الكونغرس، وهو ما ينخفض عن نسبة تأييد الكونغرس قبل الانتخابات الرئاسية أعوام 1994 و2006 و2010، التي شهدت جميعها تغييرات ضخمة في المقاعد نظرا لاستياء نسبة كبيرة جدا من الناخبين. كذلك أوضح استطلاع رأي قامت به مؤسسة «غالوب»، ونشر في بداية شهر ديسمبر (كانون الأول)، أن 75 في المائة من الشعب الأميركي لا يعتقدون أن أغلب أعضاء الكونغرس يستحقون الاحتفاظ بمقاعدهم في انتخابات 2012، وهو رقم قياسي في الاستفتاء، «لكن: من بحق السماء هم العشرون في المائة الذين ذكروا أن أغلبية الأعضاء يستحقون مدة أخرى؟». لقد أوضح الاستفتاء الذي أجري في «إن بي سي - وول ستريت جورنال» أن واحدا في المائة فقط من الأشخاص يعتقدون أن العام رقم 112 للكونغرس كان من بين «أفضل الأعوام».

لكن كيف وصلت الأمور إلى هذه الدرجة من السوء بالنسبة للكونغرس عام 2011؟ فما من حدث واحد يشير إلى هذا؛ إنما كان انهياره بطيء الحدوث، حيث رأى الجميع ما كان يحدث، وعلى الرغم من ذلك لم يرغب أحد في أن يفعل شيئا بخصوص هذا الأمر. لقد كان الأمر أشبه بالأوبرا. لذلك أقدم في ما يلي نظرة توضح كيف فشل الكونغرس، في ثلاثة أجزاء.

يعد تمويل الحكومة أهم الأعمال التي تقوم بها الدولة، لكن التاريخ أشار إلى أن هناك نزاعا بشأن تمرير تشريع بخصوص هذا الأمر في هذا الربيع. وقد لعب كل من بيل كلينتون ونيوت غينغريش لعبة الدجاج هذه في منتصف التسعينات من القرن الماضي، وعندما لم يهتم أي من الرجلين، قامت الحكومة بتجميد أنشطتها مرتين. ولم تكن نتيجة ذلك سوى فوز كاسح لكلينتون، وذلك بفضل المنبر المهيمن، وأدى هذا إلى احتفاظه بمقعده بسهولة في انتخابات عام 1996.

وكان الجمهوريون، مع نسبة الأغلبية التي حصلوا عليها هذا العام، يدركون جيدا ما حدث في هذه الفترة من التاريخ، كما تعهد القادة مثل رئيس المجلس، جون بوينر من أوهايو، بعدم تكرار هذا الأمر مرة أخرى. إلا أن بوينر لم يكن الممثل الوحيد في هذه المسرحية؛ فقد أراد عشرات الجمهوريين المنحازين إلى حزب الشاي، الذين ساعدوا في الحفاظ على وجود أغلبية من الجمهوريين في مجلس النواب، عمل تخفيضات شديدة للهيئات الفيدرالية كدليل على رغبتهم في زعزعة الوضع الراهن.

ولم يبعد الديمقراطيون عن دائرة اللوم في المفاوضات الممتدة. وعندما بدأ العد التنازلي لانتهاء الحملة الانتخابية في بداية أبريل (نيسان)، عملوا من أجل تسجيل نقاط من خلال قاعدتهم الخاصة، ناهيك عن الناخبين المستقلين المتحررين اجتماعيا، من خلال توبيخ الجمهوريين لإصرارهم على إزالة التمويل الفيدرالي لـ«بلاند بيرنتهوود» من أي اتفاق نهائي.

وبعد 11 ساعة، عقدت الأطراف صفقة حافظت على استمرار عمل الحكومة. وظلت المتاحف مفتوحة والمتنزهات الوطنية ترحب بالزوار. كذلك قام السياسيون بتهنئة أنفسهم. وقال أوباما: «اليوم، اجتمع الأميركيون أصحاب الأفكار المختلفة معا». وتلقى بوينر ترحيبا شديدا من المشرعين الجمهوريين نظرا لقيامه بخفض مليارات من نفقات البيت الأبيض. لكن ما رآه الشعب الأميركي كان اختلالا وظيفيا أدى إلى هذه الصفقة؛ وبدا الكونغرس كطفل ينهي امتحانه في اللحظة الأخيرة. وهم لم ترق لهم هذه الصورة على الإطلاق. ولم يتوصل الكونغرس، الذي بدا غير مدرك لهذه الحقيقة، إلى اتفاق سوى قبل 27 ساعة من قيام الحكومة بتعليق نشاطها مرة أخرى.

وإذا ما كان استمرار الحكومة في تعليق نشاطها قد تسبب في امتعاض الأميركيين، فإن الصراع حول رفع سقف الدين أصابهم بالغثيان.

وعلى الرغم من ذلك، غالبا ما يقوم الحزبان بالتباهي السياسي، حيث يقوم الديمقراطيون بتذكير زملائهم الجمهوريين (والناخبين) بأن سقف الدين ازداد 78 مرة منذ عام 1960، من بينها 18 مرة إبان حكم رونالد ريغان. ويرد الجمهوريون على ذلك من خلال تذكير الرئيس أوباما بأنه في عام 2006، قام السيناتور أوباما بالتصويت ضد رفع سقف الدين. وذكر جاي كارني، المتحدث باسم البيت الأبيض، أن تصويت أوباما كان «خطأ»، وأنه إذا ما كان يعرف حينها ما يعرفه الآن، لم يكن ليدعم هذا الأمر (لقد كان ضد هذا الأمر قبل أن يؤيده).

ونتيجة الجدل المثار حول سقف الميزانية، ظهرت «اللجنة العليا» – وهي أكثر من مجرد لجنة قديمة تقليدية! – التي عهدت إليها مهمة توفير تريليونات الدولارات في صورة تخفيضات في الميزانية الفيدرالية، لإيجاد حل شامل ونهائي لأزمتنا المالية الوطنية التي تلوح في الأفق. ثمة أمران تسببا في فشل اللجنة العليا منذ البداية، أولا: تم تعيين أعضائها الاثني عشر من قبل قيادة حزبهم، ولم يكن لدى قادة الحزب أي حافز لإبرام صفقات ضمن هيئة اللجنة، الأفراد المخول لهم الوصول إلى اتفاق خارج نطاق السلطة هم قادة حزبهم. ثانيا: لم يكن التاريخ المحدد لـ«المصادرة» – كلمة للإشارة إلى التخفيضات الفورية التي ستزعج كلا الحزبين – هو نهاية 2011، وإنما بداية عام 2013، بعد انتخابات 2012 (لا توجد أي صدف في السياسة). لم يكن الأمر المذهل بشأن اللجنة العليا أنها فشلت، حيث أصدر أعضاؤها بيانا يوم 21 نوفمبر (تشرين الثاني) يوضحون فيه أنهم عجزوا عن التوصل لتسوية، وإنما أن الشعب الأميركي لم يتوقع مطلقا أن تنجح. وفي استطلاع رأي أجرته محطة «سي إن إن» ونشر هذا الأسبوع قبل أن يصبح فشل اللجنة رسميا، أعرب ثمانية من بين كل عشرة أميركيين عن شكهم «الشديد» أو «المحدود» في أن اللجنة العليا يمكن أن تجد أرضية مشتركة.

كان أسوأ جانب في عجز اللجنة العليا عن إبرام صفقة هو أنه لم يكن أي طرف – الشعب أو وسائل الإعلام، أو حتى أعضائها أنفسهم – مندهشين من ذلك العجز. ما أثبته عام 2011 هو أن الفشل قد أصبح الوضع الطبيعي الجديد في الكونغرس. ولهذا فقد مر الكونغرس بأسوأ أعوامه في واشنطن. تهانيّ.

*خدمة «واشنطن بوست»