حان الوقت.. أهل الخليج

TT

ولد ناصر أو جاسم أو حمد أو محمد أو نورة أو منيرة أو دانة أو قماشة، في 1981، في الكويت أو البحرين أو قطر أو الإمارات أو عمان أو السعودية، كم عمره أو عمرها الآن؟

30 سنة تقريبا.

أي جيل كامل، حسب قسمة عالم الاجتماع العربي القديم ابن خلدون، حيث حدد عمر الجيل بثلاثين عاما.

عمر مجلس التعاون الخليجي هو عمر جيل كامل، حيث تأسس مجلس التعاون الخليجي في مايو (أيار) 1981 ليكون جامعة للدول العربية الست المطلة على الخليج، بوصفها دولا تملك صفات اقتصادية وسياسية واجتماعية متشابهة، والأهم بوصفها محتاجة للتعاون والتنسيق إزاء دول ضخمة ذات طموحات توسعية مثل إيران، سابقا ولاحقا، وعراق صدام حسين لاحقا، وحتى سابقا بأحلام غازي وقاسم القديمة في الكويت.

كان الهاجس الأمني هو الأول بالنسبة لدول الخليج، بالطبع ضد هيجان إيران الخمينية، وغيرها من المخاطر.

لكن تطور الأمر لاحقا، وتخلقت بالفعل هوية خليجية وإحساس مشترك بالانتماء الموحد، لكن كل هذه المشاعر لم تكن كافية لتكوين أرضية صلبة وإسمنت متماسك لبناء إطار صلب ودائم للتماسك الخليجي المشترك.

الغريب أن بوابة قيام الاتحادات الكبيرة في العالم تتم من خلال الاقتصاد عادة، كما في تجمعات الاتحاد الأوروبي وغيره، حيث كانت البداية الحقيقية والقديمة لانطلاقة الاتحاد الأوروبي من خلال تشكيل الجماعة الأوروبية للفحم والصلب عام 1951 وصولا إلى الاتحاد الأوروبي الذي نعرفه 1992، أي بعد إنشاء مجلس التعاون الخليجي، لكن البوابة كانت اقتصادية، بينما نشأة المجلس الخليجي من بدايته كانت مشوبة بالهاجس الأمني الضاغط، وثبت بالتجارب كيف كانت الدول الخليجية تتلاحم مع بعضها عند الأخطار الوجودية كما حصل في قمة الدوحة الشهيرة بعيد غزو صدام للكويت، ثم تطور قوات درع الجزيرة منذ إقرارها في الدورة الثالثة للمجلس، حيث كانت هي التجلي الأقوى للمجلس واتحاد دوله وشعوبه في أحداث البحرين المدبرة لتقويض المبنى الخليجي، بدءا بالبحرين.

في قمة الرياض حاليا، أخذت الأسرة الخليجية خطوة كبيرة للأمام، بعد أن أعلن الملك عبد الله بن عبد العزيز، من عاصمته في الرياض أمام قادة الخليج أن الوقت قد حان للتحول من التعاون إلى الاتحاد في كيان واحد.

هذه هي اللحظة التي طال انتظارها من قبل أهالي الخليج، خصوصا ونحن نرى الأخطار المحدقة بهذه الدول الغنية والتي يتربص بها خصومها الدوائر، سواء لأسباب سياسية مثل إيران، أو لأسباب مالية مثل غيرهم.

تأخر توحيد التعريفة الجمركية والعملة النقدية، وهذا ما أحبط كثيرا من الخليجيين، ولكن حصلت خطوات جيدة، مثل الدخول بين الدول بالبطاقة المدنية، وكذلك التعاون الاقتصادي الكبير.

منذ قيام هذه الجامعة لعرب الخليج، لم يحصل ذاك الشيء الذي كان يوعد به من وراء إنشاء المؤسسة الجامعة، حسبما وعد به النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي، حيث أخبرنا بأن الغرض من إنشاء المجلس هو أن يكون: «صيغة تعاونية تضم الدول الست، تهدف إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دولهم في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها، وفق ما نص عليه النظام الأساسي للمجلس في مادته الرابعة». حسب نص أمانة المجلس.

النظام الأساسي يتحدث عن «تنسيق» و«تكامل» و«ترابط» في «جميع الميادين» «وصولا إلى وحدتها». هذه ليست جملا إنشائية بل هي نص النظام المؤسس.

بعض الأصوات في الخليج تدعو إلى قيام صيغة اتحادية كونفدرالية، توحد سياسات الدفاع والنفط والخارجية، والبعض الآخر يخشى من إلغاء التمايزات الداخلية لكل دولة إذا ما تم الاندماج، بأي صيغة كانت، ولكن هذا الحذر غير مبرر، فهذه التمايزات مصدر غنى لا فقر، وهي ليست محل البحث أصلا، بل البحث في توحيد التصدي للمخاطر الكبرى في الأمن والطاقة وبالضرورة في الخارجية.

لقد ثبت في سنة الربيع العربي هذه أن السفينة الخليجية هي التي سلمت من أعاصير وأمواج الفوضى العربية العارمة، لا بل إنها هي التي انتشلت بعض الغرقى ممن أوشك على الهلاك في مياه البرد والظلمة والفناء.

القول بأن ما يجمع دول الخليج أكثر مما يفرقها، قول صحيح إلى درجة كبيرة، دعك من الكلام العاطفي، نتحدث بأمر واقع، فهي في أغلبها دول ذات مساحات صغيرة، وكثافة سكانية قليلة، وثروة نفطية غزيرة، فهي إذن مطمع للطامعين الكبار سواء من أفيال المنطقة، أو من وراء المحيطات والبحار مثل أميركا وروسيا والصين. هذا السبب فقط يكفي لتلاحم هذه الدول، ففي الاتحاد قوة كما قيل، وهذا التلاحم يعني تنسيق المواقف كما نصت عليه المادة الرابعة في النظام الأساسي.

لا أعتقد أن التعويل على التشابه الثقافي والاجتماعي هو سبب كاف للاتحاد، فما بين اليمن، الجنوبي والشمالي، سابقا، من عناصر التشابه يكاد يصل إلى درجة التوأمة، ولكن تناقض المصالح وعدم التأسيس على منافع مشتركة، تسبب في قيام يمنين، شمالي وجنوبي، ثم وحدة هشة، ثم انفصال دام، ثم حرب وحدة أدمى وأشرس، ثم قلاقل الحراك الجنوبي الحالية، وما بين دول «الشام» كذلك، وما بين دول أميركا اللاتينية أيضا، لكن كل هذا لم يكن كافيا لنشوء «تنسيق» وتكامل سياسي بين «كل» دولها.

رغم هذا كله، فمجلس التعاون الخليجي، ورغم هذه المقدمة الناقدة، يعتبر أنجح منظمة تعاون عربية، ودوما يقال، يكفي أنها استمرت ثلاثة عقود، وحولها انهارت منظمات عربية أخرى مثل مجلس التعاون العربي وقبله حلف بغداد والاتحاد الهاشمي والاتحاد المغاربي. وحده مجلس التعاون الخليجي ظل يعقد قمته السنوية دون انقطاع. وتلاحم أبناء الخليج رياضيا وفنيا، وتدفقوا بعضهم على بعض من خلال الجسور والمطارات، والطرق البرية، ثم ها هي كثير من دوله تسهل التنقل ببطاقة الهوية الوطنية، ويجد المواطن الخليجي الكثير من التسهيلات في دوله الخليجية، وصار المواطن الخليجي يعي هويته الجامعة حتى في أبسط الأشياء مثل وجود مسارات خاصة لمواطني دول الخليج في مطارات هذه الدول، ببساطة نشأت مع الوقت ملامح هوية خليجية مشتركة، وهذا بحد ذاته إنجاز واختراق كبير.

أهل الخليج، حالهم واحد، ومصيرهم واحد، والأخطار التي تهددهم واحدة، وأنظمتهم متشابهة بدرجة كبيرة، مع فروقات هنا وهناك، كلهم من ذات العجينة الثقافية والتاريخية، ومستقبلهم واحد، ويتشاطأون بحرا واحدا.

أعلن الملك عبد الله بن عبد العزيز في هذه القمة عن تدشين مرحلة جديدة، وجدية، في إبحار السفينة الخليجية، وعلى البحارة والقباطنة، رفع الصواري وتلقي الهواء الجديد للدفع بهذه السفينة حيث أشارت الأصابع الخضراء لعبد الله بن عبد العزيز.

[email protected]