نجاح تونسي ومخاوف مصرية

TT

لماذا تسير التجربة التونسية، في الانتقال من نظام استبدادي إلى نظام يسير نحو الديمقراطية، بإشكاليات أقل بكثير من نظيرتها التجربة المصرية؟

لماذا هناك مطبات سياسية أقل، ودماء أقل، وهستيريا أقل، وتشرذم أقل في تونس مقارنة بمصر؟

أثبت لنا التاريخ أن التجارب السياسية لها «بصمة وراثية» مختلفة عن بعضها البعض، ولا يمكن استنساخ ثورات أو حركات احتجاجية مائة في المائة.

المشترك في تونس ومصر هو رفض نظام استمر طويلا، يعتمد على الدولة الأمنية، حدث فيه تزاوج بين المال والسياسة، لم يكن بنفس سرعة أحلام وتطلعات شعبه.

المشترك أيضا أن أكثر من ثلثي المجتمع من الشباب (أقل من 21 عاما)، لديهم أحلام وتطلعات تم تعطيلها بسبب الفجوة الثقافية والسنِّية بينهم وبين الجيل الذي يحكمهم. في تونس هناك 9.5 مليون مشترك في الجوال و6.5 مليون مستخدم للإنترنت، وفي مصر 68 مليون مستخدم للجوال و30 مليون مستخدم للإنترنت، مما جعل مسألة الارتباط بثقافة العالم الافتراضي هي المحفز الأول للاحتجاج على أنظمة تنتمي إلى العالم القديم والعتيق!

الفوارق الجوهرية بين تونس ومصر يمكن إجمالها على النحو التالي:

1- أن البداية المنطقية لملف الإصلاح السياسي عقب الثورة في تونس كانت أكثر منطقية من التجربة المصرية.

2- أن السلطة المؤقتة في تونس كانت مدينة بحماية المؤسسة العسكرية، بينما في مصر فرضت الظروف الضاغطة على المجلس العسكري أن يرث تركة مثقلة.

3- في تونس، على الرغم من الثورة، فإن الجهاز الأمني الداخلي تضرر ولكن لم ينكسر وينفرط عقده مثل الحالة المصرية.

4- أن النخبة السياسية في تونس أدركت أن المخرج الوحيد الممكن هو التوافق السياسي بين القوى، وليس التناحر السياسي الحاد الذي يميز التجربة المصرية الآن.

5- أن التيار الذي يقوده ما يعرف باسم قوى الإسلام السياسي، ممثلة في حزب النهضة، الذي حصد 89 مقعدا من مقاعد البرلمان البالغة 217، لديه عمق أكبر في الحكمة السياسية التي تجعله يدرك كيفية قراءة مشهد الانتصار السياسي عبر صندوق الاقتراع.

تونس صوت أهدأ، دماء أقل، أما الحالة المصرية فهي تنذر باحتمالات فوضى أكثر مما تنذر ببوادر استقرار.