البخيل بإطرائه

TT

البخل لا يقتصر على المال فحسب، فهناك من هو بخيل أيضا بمشاعره وإطراءاته. وهذا النوع من البخل يفقدنا قوة التأثير في الآخرين وكسب مودتهم.

فقد أظهر باحثون يابانيون من المعهد الوطني الياباني لعلوم وظائف الأعضاء في دراستهم أن كلمات الإطراء «تولد الشعور نفسه الذي يتولد لدى المرء عند حصوله على مكافأة مالية»، وذلك بعد استخدامهم لآلية تصوير المخ بنظام الرنين المغناطيسي. وأراد الباحثون معرفة حقيقة ما يحدث للمرء حينما نقدم له كلمات إطراء، فقاموا بتجربتين: في الأولى لعب أفراد العينة القمار باستخدام 3 أوراق لعب، ورصد الباحثون نشاط المخ لدى تحقيقهم لمكاسب. وفي الثانية قيل لأفراد العينة، إن غرباء يقومون بتقييمهم بناء على استقصاء وشريط فيديو أعده كل منهم ثم يستمعون إلى كلمات إطراء من الغرباء. فتوصل العلماء إلى أن الإطراء له نفس الأثر الذي يحدثه كسب المال من حيث تنشيط مركز المكافأة في المخ، حيث يشبع المديح عند الإنسان «الحاجة إلى الانتماء».

والإطراء صار أمرا مطلوبا في حياتنا لنلطف به أجواء مشحونة أو نصلح بين متخاصمين. كما أن الإطراء يمهد الطريق أمام تقبل الانتقاد. كأن يطري مدير مرؤوسه في بداية الحديث بكلمات إيجابية فيقول «بصراحة كان أداؤك هذا العام رائعا»، بعدها يمكن أن يطرح المدير نقده بلباقة حول تقصير الموظف في بعض الجوانب، وعندئذ يكون الموظف الممدوح أكثر قبولا للاستماع، شريطة ألا تشتد عليه وطأة اللوم والعتاب، لأن الإنسان بطبعه يميل نحو الإطراء والإشادة أكثر من النقد لما يحققه له ذلك من سعادة داخلية غامرة.

والإطراء طريقة ذكية وإيجابية لنقوم بها سلوك المقصرين أو من نخشى تقصيرهم. على سبيل المثال، يمكن أن نتحين الفرصة المناسبة التي يحسن بها صديق أو قريب أو زميل عملا ما، ثم نسارع بالإشادة بسلوكه، وهي طريقة غير مباشرة لتعزيز السلوك الإيجابي.

وتبين أيضا أن إطراء الرجل للمرأة يولد شعورا إيجابيا لديها. وقد أشرت في كتابي «المرأة تحب المنصتين» إلى استطلاع للرأي أجراه معهد إبسوس الشهير شمل 500 امرأة أعمارهن تزيد على 14 عاما، أظهر «أن معظم النساء يحببن سماع الإطراء من أي رجل، وأن على شريك الحياة أو الزوج أن يقول شيئا ما لطيفا أكثر مما هو مألوف».

ومن الأهمية بمكان ألا يبالغ المرء في مديحه لكي لا يفضي ذلك إلى نتائج عكسية، كأن يبالغ مدير بمدح الحضور المبكر لمرؤوسيه إلى العمل أو تفانيهم في مشروع ما ثم يفاجأ بأنهم بدأوا يتراخون ويتأخرون يوما بعد الآخر.

الاعتدال في إطراء الناس مطلوب، لكن البخل فيه هو السلوك المذموم الذي يجدر بنا أن نتحاشاه جميعا.

[email protected]