غزة.. أربيل.. بغداد.. إلخ..

TT

التقى الكاتب عبد الله القصيمي (العرب ظاهرة صوتية) في القاهرة، السياسي اليمني عبد الله الأصنج، عشية استقلال عدن، فقال له، بكل جدية: «تمتعوا بالأيام الأخيرة للاستعمار. فلن تعرفوا القانون بعد ذهابه». لم يكن القصيمي يمزح. كان يريد أن يقول إنه فقط في العالم العربي، هناك ما هو أسوأ من الاستعمار.

لم ينتظر نوري المالكي مرور يوم واحد على خروج عسكر جورج بوش، لكي يتهم نائب الرئيس العراقي بالإرهاب. وما إن خرج آخر جندي أميركي حتى تحول طارق الهاشمي من نائب لرئيس الجمهورية إلى لاجئ سياسي عند رئيس الجمهورية في كردستان. هناك، في أمان الإقليم الكردي، بعيدا عن الإخاء العربي الشهير، وقف يقول إن هناك من هو أكثر ديكتاتورية من صدام حسين، على قاعدة هناك من هو أسوأ من الاستعمار.

كيف اكتشف المالكي بعد يوم من عودته المظفرة من عند باراك أوباما أن الهاشمي إرهابي؟ كيف، في رعاية الأميركيين ومعونتهم، نفض عنه نتائج الانتخابات الديمقراطية التي جاء بوش لزرعها في العراق، بذرة بذرة وشتلة شتلة، فإذا الزارع والحاصد السيد المالكي، المفعم بالروح الديمقراطية، منبتا ومنشأ وكياسة ولطف معشر.

اكتشفنا الآن فائدة أخرى لإقليم كردستان: أصبح في إمكان الهاربين من عدالة النظام اللجوء إلى هناك، بعدما فاضت دول الجوار بالفازعين العراقيين. على الأقل ليسوا في حاجة إلى تأشيرات (حتى الآن). وقد انقسمت دولة المالكي قسمين، قسم اختار أربيل، وقسم اختار لبنان، بزعامة إياد علاوي. والمعروف أن والدته لبنانية، وبالتالي فهو عند أهله أيضا. على الأقل لن يلاحق هنا بتهمة الإرهاب. لكن من غير المفاجئ أن يكون الذين طاردهم صدام حسين من «رفاق» يطاردهم نوري المالكي الآن من «شركاء».

هذه، مع الاعتذار، سمة عربية خالصة. أي نوعية الإخاء والأشقاء والرفاق. لعل جنابكم تابعتم أن الإخوة الفلسطينيين لا يزالون يدققون في بنود «المصالحة» فيما بينهم. والله العظيم كنا قد نسينا. كنا اعتقدنا أنهم صرفوا النظر وانتهى الأمر. وإذا نحن على خطأ. مصرون على المصالحة الأخوية، ما بين الضفة والقطاع، بندا بندا. كل بند عشر سنين.