العراق وتركيا بعد الاحتلال الأميركي

TT

بعد النجاح الساحق في تخريب العراق وتأسيس «ديمقراطية على الطراز الأميركي» فيها، انسحب الجنود الأميركيون من العراق، تاركين «مستشارين خاصين» يتراوح عددهم ما بين 15.000 إلى 20.000 مستشار في العراق لتوجيه البلاد في حقبة ما بعد الاحتلال.

إنه في حقيقة الأمر موقف متناقض. فمعظم الأتراك، ومن بينهم كاتب المقال، (ككثير من الأميركيين)، كانوا معارضين للاحتلال الأميركي للعراق. وكان معظم الأتراك ضد الجرائم الخسيسة التي ارتكبتها القوات الأميركية هناك، وعلى وجه الخصوص الهجمات على المدنيين في المساجد، إضافة إلى الانتهاكات الفادحة لحقوق الإنسان، ممثلة في صورة انتهاكات جسدية ونفسية وجنسية، بما في ذلك تعذيب وهتك عرض واغتصاب وقتل السجناء في سجن أبو غريب على يد جنود أميركيين وموظفين ببعض الهيئات الحكومية الأميركية.

غير أن السواد الأعظم من الأتراك، ومن بينهم الكاتب، يجمعون على أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تحزم حقائبها وتغادر العراق قبل أن تعالج الخلل الذي أحدثته هناك.

لقد عانى هذا البلد كثيرا من صعود الإرهاب الانفصالي الموجه ضده من شمال العراق، نتيجة لفراغ السلطة في دولة الجوار التي نشأت نتيجة الاحتلال الأميركي وعدم اهتمام الأميركيين بقتال العصابة الانفصالية. والآن، مع انسحاب القوات الأميركية وظهور إشارات دالة على مواجهة بين جيش بغداد المدرب على يد قوات أميركية وقوات البشمركة الكردية على الخط الفاصل بين شمال العراق والمنطقة التابعة للحكومة المركزية، يبدو أن ثمة تهديدا خطيرا بانتظار العراق.

من الواضح أن تحقق الأمن والاستقرار، ليس فقط للعراق بل للمنطقة بأسرها، مرهون بمدى نجاح العراق ما بعد الاحتلال في تعزيز السلام والاستقرار.

وحتى لو لم يتم سحب جزء كبير من القوات الأميركية من المنطقة ونقلها إلى تركيا في قاعدة إنجرليك بالقرب من مدينة أضنة، فمن الواضح أنه ستكون هناك مشكلات أمنية خطيرة خلال الأسابيع والأشهر المقبلة في جميع أنحاء العراق، وهو ما سيكون له تأثير غير مباشر بكل تأكيد على الأمن في تركيا. ولذلك، فمن مصلحة تركيا الموافقة على نقل بعض القوات الأميركية إلى قاعدة انجرليك، وربما قبول زيادة التعاون مع الولايات المتحدة في تدريب قوات الأمن العراقية، حتى يستطيع العراق السيطرة على الوضع هناك.

وقد تحول العراق إلى حقل ألغام بسبب مشكلات الحدود الداخلية المتنازع عليها، فضلا عن الانقسامات العرقية والدينية والطائفية التي لا تعود بالضرورة إلى الاحتلال الأميركي، ولكن الشيء المؤكد أنها قد تفاقمت بسبب الاحتلال الأميركي. إن الضغط على واحد أو أكثر من هذه الألغام سوف يتسبب في انفجار هائل في العراق يفوق كل المشكلات القائمة، ويهدد سلامة الدول المجاورة، ويقضي على الاستقرار والسلام في المنطقة برمتها. وعلاوة على ذلك، من الواضح أيضا أن رحيل القوات الأميركية من العراق يؤكد احتمال قيام إيران بالتدخل في التوازنات السياسية الحساسة في بغداد، وأن تكون لها اليد الطولى في ذلك.

وبالتالي، يتعين على أنقرة أن تكون أكثر نشاطا في تعاملاتها بشأن العراق، ليس فقط من منظور أمني بحت، ولكن أيضا كعامل من عوامل التسابق التركي الإيراني للهيمنة على المنطقة. وبالإضافة إلى ذلك، قد لا يكون «الربيع» في بغداد مرضيا لأنقرة مثل «الربيع» في أماكن أخرى.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية