أنقرة ـ باريس: هل اقترب موعد المواجهة المؤجلة؟

TT

24 أبريل (نيسان) الذي حولته الدياسبورا الأرمنية إلى يوم إحياء ذكرى ضحايا المجازر المرتكبة بحق مئات الآلاف، كما تقول، حل باكرا هذا العام. مباراة الإياب بين تركيا وفرنسا التي ستجري تحت سقف الجمعية الوطنية الفرنسية في منتصف الأسبوع ستكون نقطة تحول تطيح تماما بالعلاقات المتوترة والمشحونة أصلا بين البلدين بسبب تضارب المصالح والمواقف والسياسات الإقليمية.

البرلمان الفرنسي يستعد للتصديق على مشروع قانون يقضي بمعاقبة إنكار الإبادة الأرمنية لمدة عام كامل من السجن، وبغرامة مالية قيمتها 45 ألف يورو، وهو وعد سياسي قدمه الرئيس الفرنسي ساركوزي خلال الانتخابات الفرنسية عام 2007 لأكثر من نصف مليون أرمني يعيشون في المدن الفرنسية، ويشكلون أحيانا مركز الثقل في حسم نتيجة الانتخابات البرلمانية والنيابية في أماكن تواجدهم.

المحاولة الأولى التي أفشلها تردد حكومة ساركوزي قبل 4 سنوات ودخول مجلس الشيوخ الفرنسي على الخط عادت إلى العلن مع اقتراب موعد الانتخابات الفرنسية في العام المقبل، وهو ما تصر أنقرة على اعتباره محاولة من قبل الأحزاب السياسية الفرنسية لكسب أصوات الجالية الأرمنية قبل أن تكون عملية تضامن مع الشعب الأرمني وقضاياه ومطالبه.

الغضب التركي يتجمع حول استفسار واحد: هل من حق الفرنسيين محاكمة الأتراك على هذا النحو؟

رجب طيب أردوغان بعث بكتاب تحذير للرئيس الفرنسي من أنه يجعل مسار العلاقات التركية - الفرنسية تحت رحمة طرف ثالث، مشيرا إلى أن حكومة بلاده سترد بشكل يوازي إصدار مثل هذا القانون إذا ما تم ذلك. أجواء أنقرة تقول: إنه سيتم سحب السفير التركي من فرنسا أولا، لكن الخطوات المتلاحقة لناحية تجميد العلاقات التجارية والمالية والعسكرية مع فرنسا ستكون هي في مقدمة الضربات الموجعة التي ستعتمدها أنقرة للرد على مثل هذه الخطوة.

أنقرة أرسلت أيضا إلى باريس وفدا سياسيا ودبلوماسيا وتجاريا رفيع المستوى لمتابعة تفاصيل التصويت ومحاولة إقناع الفرنسيين بالانعكاسات السلبية لقانون من هذا النوع، خصوصا على مشاريع الاستثمار والتمويل المشترك، وعلى رأسها مجالات الطاقة والتصنيع العسكري، ومشاريع القطارات السريعة التي تنوي تركيا زيادة انتشارها في المدن الكبرى، وتشكل فرصة للصناعة الفرنسية المتقدمة في هذا الحقل. حجم التبادل التجاري بين أنقرة وباريس الذي يفوق العشرة مليارات يورو سيتأثر طبعا بنتائج أي توتر من هذا النوع.

وزير الخارجية التركي داود أوغلو يقول: إنه كان الأجدى بفرنسا مواجهة تاريخها الأسود، خصوصا في القارة الأفريقية، والاهتمام بعوراتها هي قبل الحديث عن عورات الآخرين. وهي رسالة مباشرة للرئيس الفرنسي الذي قال خلال حديثه عن المجازر الفرنسية التي ارتكبت في الجزائر: إن الجيل الحالي غير مسؤول عن أخطاء آبائه وأجداده.

ساركوزي الذي يبدو أنه أعطى قراره النهائي لن يتراجع عن ذلك بمثل هذه السهولة، خصوصا أنه يحتاج إلى أصوات 300 ألف مواطن فرنسي من أصل أرمني، مزايدا على من سبقوه عام 2001 عندما اعترفوا بوقوع المجازر، لكنه هذه المرة يريد أن يصفي حساباته العالقة مع قيادة «العدالة والتنمية» التي عرقلت أكثر من تحرك ومشروع إقليمي أطلقه ساركوزي في السنوات الأخيرة باتجاه الشرق الأوسط.

مؤرخون كثر يرون أن مشكلة الأرمن الذين تحركوا - مثل الكثير من القوميات عشية الحرب العالمية الأولى - للمطالبة بدولتهم المستقلة عن الإمبراطورية العثمانية هي أن كثافتهم السكانية كانت موزعة في أكثر من مكان، وأن المناطق التي طالبوا بها كانت استراتيجيا في قلب الأطماع الروسية وأهدافها، وأن تلك الأراضي كانت تجمع الكثير من القوميات التي كانت هي الأخرى تصر على حماية تواجدها هناك. لكن الحل لن يكون طبعا بالتلويح الدائم من قبل أنقرة بمعاقبة من يحاول التلاعب أو الاقتراب من هذه المسألة الحساسة بالنسبة للأتراك، وتذكير الدول بصفحاتها السوداء، فاللوبي الأرمني الناشط في الولايات المتحدة لن يستكين إذا لم يلزم مراكز القرار السياسي الأميركي بقرار مماثل يقرب أكثر فأكثر ليس فقط موعد وتاريخ انفجار العلاقات التركية - الأميركية، بل أيضا العلاقات التركية مع الكثير من الدول الغربية التي تنتظر الضوء الأخضر الأميركي.