المبادرات والمؤتمرات الشارحة

TT

كلما قبلت سوريا، أو رفضت، مبادرة عربية، قدمت لذلك بمؤتمر شرحي للدكتور وليد المعلم، حاشد بالحضور، ويتولى خلاله طرح الأسئلة وامتداح المواقف وتهزيء الجامعة، مراسلو التلفزيونات الصديقة، خصوصا الإيرانية منها، في حين يفترض في الشروح الإعلامية أن تقنع المشككين والمتآمرين ومجلس الجامعة. يشدد الدكتور المعلم، بهدوئه الإملائي، على التعديلات اللفظية التي تؤمّن حفظ السيادة السورية، ولا يخفي ابتهاجه بالفوز.

بمن وعلى مَن؟ المسألة منذ البداية، ليست سيادة سوريا، بل حياة السوريين. وليست حياة المدنيين فقط، بل هي أيضا حياة الجيش، كما يصر النظام. منذ البداية ودمشق غارقة في لعبة الألفاظ، مدنيين أم مدنيين عزل، معارضة أم عصابات مسلحة، ولكن المجموع كل يوم قد ازداد إلى ما يربو على المائة قتيل، هؤلاء هم مواطنو النظام وأبناؤه وأهله، سواء كانوا بثياب مدنية أو عسكرية، وهؤلاء هم مسؤوليته التاريخية، سواء كانوا يدافعون عنه أو يعملون ضده، فالأمن لحماية الناس وليس للاستعانة عليهم بأسوأ أنواع المرتزقة والجلادين وقساة القلوب.

لا بلاغة ولا براعة ولا قفشات الدكتور المعلم يمكن أن تشرح أو أن تبرر أو أن تبيض هذه المأساة الدموية القائمة في سوريا. لا مكان للقفشات التي يطرب لها المراسلون، فوق المقابر الجماعية. ولا يمكن أن تقنع السرعة الإملائية التأملية التي يجيدها الدكتور المعلم، أحدا، بأن القضية هي قضية خلاف في أسلوب التخاطب بين الجامعة العربية وسوريا، قلب العروبة النابض. فالمسألة الآن هي قلب العروبة الدامي والحزين، وهو لا يغلف بتطييبات المراسلين الرسميين ولا بإبعاد الصحافة المستقلة، التي يمكن أن تعطي مصداقية ما لنقل الأخبار.

كل ما نراه اليوم هو جنازات تغني وتنشد، وتظاهرات مؤيدة تؤكد شعبية النظام. هكذا كان المشهد في صنعاء أيضا، مع الفارق بأن المعارضة أعطيت حرية التظاهر مثل الموالاة. ولكن المسألة لم تعد مسألة أقليات وأكثريات، خمسة آلاف قتيل في عشرة أشهر، ليسوا نسبة قليلة حتى في الصين أو الهند. والعجز عن الوصول إلى حل طوال هذا الوقت، ليس مسؤولية الجامعة. ودعم روسيا والصين، لا تزيد أهميته على الصفر، بالمقارنة مع الدماء المراقة والمدن المحروقة والجنازات اليومية.

ذريعة التدخل الخارجي، مهما كانت حقيقية أو مبالغا بها، لا تلغي مسؤولية النظام، أولا وأخيرا، في الحفاظ على دماء السوريين ووحدة سوريا. دمشق في حاجة إلى سلام الشجعان، ليس مع العدو عبر الحدود، بل مع المواطنين داخلها، عزلا كانوا أو مدججين، أو أي مفردة بيانية أخرى.