مشاعل الجلبي ومنائر المالكي

TT

عام 1958 هجم التقدميون الاشتراكيون الطليعيون على القصر الرجعي الملكي الاستعماري الانتهازي في بغداد، فأطلقوا النار على كل حي فيه، ثم خرجوا يطلبون نوري السعيد من أجل تقصيبه قطعة قطعة. توالت منذ ذلك الوقت الأنظمة التقدمية الطليعية الماجدة وصولا إلى تحقيق الطبقة العليا من طبقات الديمقراطية والحرية والرخاء والإخاء والتسامح والتصالح والحكم المدني، بزعامة نوري المالكي.

يكره العرب الأرقام إلا أرقام التأييد المطلق: 99.999% وعين الحاسد تبلى بالعمى. لاحظ جنابك الشغف بالدقة. المرقمون عند صدام حسين خافوا الغلط وعواقبه أثناء العد الدقيق فقالوا فاز بـ100%. كل رقم آخر مرفوض على أساس أنه صهيوني. أرقام البطالة صهيونية. أرقام الفقر، تحت الحزام وفوقه، إمبريالية تآمرية مهبطة للعزائم، معرقلة لتحرير فلسطين. أرقام وتقارير الفساد والسوس والاحتقار وإذلال الناس في كل دائرة رسمية، تخرصات استعمارية. وأرجو أن تسجل عليَّ استخدام كلمة تخرصات، وأعدك بألا أكررها.

كم باع العراق من النفط، منذ زوال الرجعية في «قصر النهاية»؟ حسنا. لا أنت تدري ولا أنا ولا وزراء النفط الذين مروا على ثاني احتياطي للنفط؛ فالنفط والسلاح والحرب والمال والتعليم والفن والأدب والجسور والأهوار، كانت في يد رجل واحد، أو أوحد.

لكن دراسات اليوم، بعد ما يزيد على نصف قرن من الأنظمة التقدمية المتنوعة، ما بين شيوعية وناصرية وبعثية، وصولا إلى ديمقراطية «الجلبي - بوش - المالكي»، تقول إن البطالة في العراق 50% وإن 40% من السكان لا يستطيعون القراءة. المؤسف أنه أيام الرجعية البالية أو البائدة، كان العراق يتقدم سائر العرب في حقول كثيرة، ولولا تميز مصر، لكان في جميعها.

وفقا لبرنامج قدمته «العربية» قبل أشهر قليلة، زاد رقم الفساد في كهرباء البصرة وحدها على 300 مليار دولار. يبدو الرقم جنونيا. لكن من أجل إثباته، أو شرحه، قال مقدم البرنامج: إن ما أُهدر في الفساد يكفي لإنارة العراق برمته طوال ربع قرن. أما الديمقراطية نفسها فهي بخير. جاء الأميركيون إلى العراق تضيء لهم الطريق مشاعل أحمد الجلبي وانسحبوا حاملين منائر نوري المالكي. ولن يدرس التاريخ طبيعة الاحتلال والشخصيات التي كانت تحيط بجورج بوش، بل سوف يحيل المسألة على أهل العلم لدراسة حجم العبقريات الفذيذة، على وزن لذيذة.