مستقبل أسرة كيم الحاكمة في كوريا الشمالية

TT

أعادت وفاة كيم جونغ ايل، زعيم كوريا الشمالية يوم السبت، إلى الذاكرة ذكريات مؤلمة عن وفاة والده، كيم ايل سونغ، في صيف عام 1994، عندما كنت مساعدا لوزير الشؤون الخارجية والأمن القومي في مكتب رئيس كوريا الجنوبية.

وقد كان ذلك الصيف يمثل الذروة بالنسبة للحكومة الكورية الجنوبية المدنية الديمقراطية الأولى، من ناحية العلاقات بين الكوريتين، حيث كان كيم يونغ سام، الذي تولى منصبه كرئيس لكوريا الجنوبية في فبراير (شباط) 1993، قد أمضى السنة الأولى بنجاح في إصلاح البيروقراطية الفاسدة، وكان يستعد لعقد اجتماع قمة بين الكوريتين مع كيم ايل سونغ، الذي كان عمره في ذلك الوقت 82 عاما.

وكان كيم يونغ سام قد عرض في خطابه الافتتاحي مقابلة نظيره الكوري الشمالي في أي وقت وفي أي مكان، وأعلن بشكل قاطع أنه «لا يوجد حليف أهم من ذلك الذي توجد بيننا وبينة صلة قرابة وطنية». وقد قام الرئيس الأميركي الأسبق، جيمي كارتر، بتسليم اقتراح الرئيس المنشق إلى الرئيس كيم ايل سونغ، أثناء وجوده في كوريا الشمالية من أجل حل الأزمة النووية في شبه الجزيرة الكورية.

وقد أجاب الرئيس كيم ايل سونغ أنه مستعد للاجتماع مع رئيس كوريا الجنوبية من دون شروط مسبقة أو محادثات تمهيدية طويلة، ولم يكن أحد يتوقع، باستثناء عدد قليل جدا، أن يتخذ «القائد العظيم» مثل هذا القرار، حتى أن الرئيس كارتر قال إنها معجزة أن تتحول شبه الجزيرة الكورية فجأة، والتي كانت على وشك الدخول في حرب، إلى مكان للمصالحة وبناء الثقة.

وبالتالي لم يكن مستغربا أن يتحول تركيز جدول الأعمال اليومي للرئيس كيم يونغ سام إلى دراسة كيم ايل سونغ، وعقد اجتماعات مع خبراء في كوريا الشمالية، وكذلك مع أي شخص كان قد التقى بزعيم كوريا الشمالية، كما تم إجراء مناقشات مستفيضة حول مقاطع فيديو لكيم ايل سونغ تظهر تفاصيل عاداته.

وقد تم إجراء مناقشات حامية أيضا حول القضايا الأمنية، نظرا لأن اجتماع القمة كان من المقرر عقده على مدى يومين أو ثلاثة أيام، حيث تم وضع العديد من السيناريوهات المتعلقة بالأمن الشخصي للرئيس، ولكن ثبت بعد ذلك أن كل هذا المجهود لم يكن ضروريا، عندما توفي كيم ايل سونغ فجأة في فيلته الصيفية البعيدة في يوليو (تموز) عام 1994.

وكانت أول إشارة تلقيتها حول وفاة رئيس كوريا الشمالية من خلال جهاز النداء الخاص بي، والذي أخبرني بوجود حالة طوارئ من خلال الصفرين اللذين أخذا يومضان على شاشته، حيث كان هذا الجهاز الرقمي هو جهاز الاتصالات الشخصي الوحيد آنذاك الذي يمكنني أن أتلقى من خلاله تنبيها من غرفة العمليات.

وقد اتصلت على الفور بالمكتب مستفسرا عن الأمر الطارئ الذي حدث، وجاءني صوت مرتجف لأحد السكرتيرات من الجانب الآخر يطلب مني تشغيل جهاز التلفزيون الموجود في المطعم الذي يقع بالقرب من مكتب الرئيس، حيث كنت أتناول الغداء مع أحد المراسلين الصحافيين، وعندما فعلت ذلك وجدت صورة عملاقة لكيم ايل سونغ تملأ شاشة التلفزيون ومظاهر الحزن تخيم على مدينة بيونغ يانغ.

وقد رأيت سيارات سوداء تدخل من البوابة الرئيسية للمجمع الرئاسي، عندما هرعت عائدا إلى مكتبي في ظهيرة ذلك اليوم من أيام الصيف، حيث كان الوزراء عائدين للتحضير لاجتماع طارئ لمجلس الوزراء. ولكن نظرا لأن كوريا الجنوبية لم تقدم تعازيها إلى كوريا الشمالية، فإن ذلك أدى إلى تدهور العلاقات بينهما مرة أخرى.

وعودة إلى ديسمبر (كانون الأول) 2011، حيث علمت هذه المرة بنبأ وفاة «القائد العزيز»، كيم جونغ ايل، من خلال هاتفي الذكي الأنيق، بينما كنت أحتسي فنجانا من القهوة في مقهى ستاربكس، ولكن رد فعل الناس من حولي كان مختلفا تماما عن رد فعل الناس عام 1994، حيث كان الناس أقل اهتماما واندهاشا مما كنت أتوقع، ربما بسبب تاريخ كيم جونغ إيل الطويل مع المرض، ولكن على أية حال، لم يتحدث الشباب الذين بلغوا العشرين والثلاثين من أعمارهم - وهو نفس عمر كيم جونغ أون تقريبا – عن موته كثيرا.

وسوف يكون كيم جونغ أون حاكم كوريا لشمالية القادم، ما لم تحدث اضطرابات أو ثورات، حيث تشير التقارير الاستخباراتية إلى أن توريث السلطة للجيل الثالث على التوالي لن يكون سلسا، ولكنها لم تقدم أي تفاصيل. وكان كيم جونغ ايل قد قام بعمل كل الاستعدادات الممكنة لإعداد ابنه لهذا المنصب، حيث منحه رتبة لواء، وعينه في اللجنة المركزية لحزب العمال الحاكم، وجعله نائب رئيس مجلس لجنة الحزب العسكرية المركزية المكونة من 15 عضوا.

وقد كتب العديد من المحللين نعيا لأسرة كيم الحاكمة عند وفاة كيم ايل سونغ في عام 1994.

وقد يكون لدى كوريا الشمالية أخطاء عديدة، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أنها تسير في الطريق إلى التدمير الذاتي. وعلى الرغم من أن الثورة على الطغاة قد أصبحت شيئا شائعا هذه الأيام، فإن الأمور لن تسير بهذه الطريقة في الشمال، حتى ولو كان ذلك فقط لمجرد أن الصين تراقب من الكواليس ويمكنها أن تمد يد المساعدة في أي وقت، مما يعني ببساطة أن بيونغ يانغ، «عاصمة الثورة العظيمة»، لا تزال مكانا آمنا لكيم جونغ أون.

* زميل بارز في معهد السلام والتعاون في سيول، وكان يعمل سابقا كأحد الموظفين العاملين على وضع سياسات الشؤون الخارجية والأمن القومي في مكتب الرئاسة في كوريا الجنوبية.

* خدمة «نيويورك تايمز»