هل تنجح «النهضة» في حكم تونس؟

TT

بعد قرابة شهرين من تاريخ إجراء انتخابات المجلس الوطني، تم الإعلان يوم الخميس الماضي عن تشكيلة الحكومة الجديدة في تونس التي يترأسها القيادي البارز في حركة النهضة السيد حمادي الجبالي. وهو ما يعني أن نصيب الأسد من السلطة هو في يد النهضة وذلك لسببين اثنين: الأول حصولها على أغلبية نسبية في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، والثاني ربما يعود إلى أن الوفاق اقتصر على ثلاثة أحزاب سياسية فقط، ومن ثم مالت الكفة لسيناريو الائتلاف بدلا عن حكومة وحدة وطنية بعد أن اختارت بعض الأحزاب لعب دور المعارضة ورفض المشاركة الهامشية في القرار والمسؤوليات.

السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل ستنجح النهضة الزعيمة الفعلية للائتلاف الحاكم، في حكم تونس وإدارة ملفاتها الصعبة إلى تاريخ إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بعد نحو عام ونصف من الآن؟

طبعا، هناك نقاط إيجابية تحققت على امتداد هذه السنة التي استهلها التونسيون بثورة 14 يناير الرائدة والسباقة. وها هم يتهيأون للانطلاق في آخر أشواط المرحلة الانتقالية من خلال حكومة هي نتاج عملية انتخابية أشاد بها الداخل والخارج والرابح والخاسر. فالخطوة التأسيسية الأولى للديمقراطية قد قُطعت بأكثر ما يمكن من سلاسة بالنسبة إلى تجربة أولى ديمقراطية. وقال الشعب التونسي نصف كلمته بكل شفافية (نقول نصف كلمته لأن نسبة المشاركة الانتخابية لم تتعد النصف)، وعشنا يوم الخميس الماضي يوما مخصوصا عندما أعلن رئيس الحكومة عن أعضاء المجلس التأسيسي، فكان المشهد في صورته العامة والاختزالية معبرا عن النقلة النوعية في الممارسة السياسية في تونس ما بعد الثورة.

غير أن كل هذه النقاط على أهميتها لا تبدو كافية لضمان نجاح النهضة في قيادة تونس وتمكنها من تذليل التحديات العديدة. فالنجاح هو أولا وأساسا وبالذات رهين إيجاد حلول لمعضلات الاقتصاد التونسي، خصوصا أن النهضة تتسلم الحكم فعليا والاقتصاد يشكو من صعاب جسيمة أولها البطالة التي قفزت من 14 في المائة إلى 18 في المائة، وأيضا غلق العديد من المؤسسات الاستثمارية الأجنبية، مما يعكر الأوضاع أكثر ويجعلها تطل على الأزمة. وما قد يزيد الطين بلة ما يعانيه الاتحاد الأوروبي من أزمات مالية وهو الذي يمثل الحليف الاقتصادي واقعيا وافتراضيا. إضافة إلى موجة الاعتصامات والإضرابات التي لم تهدأ ولا بد من مؤشرات عاجلة وحتى سحرية (مجازا) كي تعود عجلة الاقتصاد إلى الدوران الطبيعي بأفضل مما كانت عليه باعتبار أن رؤوس الفساد الكبرى هي اليوم موزعة بين السجون والمنفى.

لا شك في أن النهضة بما عُرفت به من قدرة على التنظيم والتكتيك ستبذل قصارى جهدها كي تنجح في أول فرصة لها في ممارسة الحكم مند نشأتها باسم حركة الاتجاه الإسلامي في أواخر السبعينيات. كما من الواضح أن قبول قيادات النهضة خوض هذه المغامرة واختيار موقع الصف الأمامي لا يقومان على فراغ وإنما يشيان ربما بتكتم النهضة على رصيد من الاستراتيجيات والعلاقات والوعود من شأنه المساعدة في نجاحها في الامتحان الذي دخلته من الباب الكبير انتخابيا، ولا ندري إذا كانت ستخرج إلى جولة انتخابية أخرى من نفس الباب حجما.

من جهة أخرى، هناك ما يُوحي خطابا وممارسة وإن كانت غير معلنة صراحة، بأن هذه الحكومة ستشتغل على ملف المصالحة الوطنية الشاملة الذي سيصب في رصيدها من ناحية استقطاب الدستوريين والتجمعيين غير المتورطين قضائيا، وهو تكتيك سياسي سيُمكن النهضة من إعادة دمج - سياسيا - طرف سياسي يكون حليف المرحلة الحالية ونصيرا لها في المرحلة القادمة ضد معارضيها.

فهل ستنجح النهضة في حكم تونس الجديدة بحيويتها وحراكها السياسي والمدني الهائلين والمتجددة (أي تونس) بنخبها الغيورة تاريخيا على الحداثة ومنجزها الذي لا يقبلون غير التراكم قانونا متواصلا له؟