الشريك الأول

TT

أقسم عبد الباسط المقرحي على سرير الموت أنه بريء من التهمة التي ألصقت به في جريمة لوكيربي. وقال في حديث إلى البريطانيين إنه لم يرَ تاجر الثياب المالطي الذي شهد ضده إلا في قاعة المحكمة، ولم يشتر منه القميص الذي استخدم دليلا عليه. وقال مدعي عام اسكتلندا فرانك مولاند، إن الادعاء بأن المقرحي وحده دبر عملية لوكيربي أمر مثير للضحك.

تذكر الغرب الآن والقضاء الاسكتلندي ما كان يقوله ساذجهم منذ اللحظة الأولى، وهو أن من المضحك (والإسفافي) القول إن في إمكان رجل واحد، حتى بطاقات سوبرمان، أن يدبر نسف طائرة جامبو، ما بين ألمانيا ونيويورك. وإذا كان مثل هذا المستحيل ممكنا فمن أصدر الأوامر بذلك إليه؟ أم أنه هو الذي خطط ودبر وموَّل ونفَّذ وعوَّض ودفع 2.7 مليار دولار لأهالي الضحايا؟

يفهم أن يزوّر نظام الفاتح كل هذه التخيلات الافتراضية المضحكة، لأنه عاش حتى اللحظة الأخيرة ما بين الجنون والجريمة. لكن الشريك المسؤول في هذا هو الغرب، خصوصا القضاء الاسكتلندي. الغرب الذي قبل بمحاكمة وفقا لشروط القذافي وليس لأي قانون، بما فيها القوانين المضحكة كما يقول اللورد مولاند، بعد مقتل القذافي وعودة المقرحي إلى ليبيا، حيث أعد له الأخ القائد استقبال الفاتحين وهو مريض مهزوم مذل على كرسي.

وزاد في إهانته دخول الثوار إلى منزله حيث عبثوا بكل شيء ولم يظهروا أي حرمة للمرض والألم والشلل.

لم تكن تلك الجريمة الجماعية هي الوحيدة التي ارتكبها القذافي وفاخر بها أو نفاها ضاحكا ومقهقها. لكن تلك كانت الجريمة الجماعية التي ألصقها القضاء الغربي برجل واحد كان شرطي مخابرات بسيطا يتخفى بصفة موظف طيران، مثل جميع رجالات المخابرات القذافية الذين ملأوا السفارات وشركات الطيران والبنوك وغيرها. نحن نعرف ما هو القانون في العالم العربي، وماذا يعني للديكتاتوريين. وقد أسمعني الزميل الراحل أسعد المقدم تسجيلا للقذافي يقهقه عاليا عندما سأله عن مسؤوليته في اغتيال تاجر سلاح لبناني في باريس، كان يتعاطى مع العهد الملكي. كان يتباهى بدعم الإرهاب في أنحاء العالم. وكان يخطط لأن تتم العمليات في شكل مسرحي مثير، كما في الهجوم على مقر «أوبك» في فيينا.

لكن المسألة أن الغرب الذي كان يدعي محاربته، طوى القانون وفقا لمشيئته وإرادته وإملائه. وكانت مخيلة سخيفة أن تحصر جريمة في حجم لوكيربي في رجل مخابرات في حجم المقرحي. أو بالأحرى كانت مضحكة، كما يقول مدعي عام اسكتلندا بعد زمن طويل على الموت.