هل الجاهل عدوّ نفسه؟!

TT

في بدايات الملك عبد العزيز لتوحيد المملكة، كان لا يألو جهدا عن البحث عن أسباب التقدم العلمي، بما فيها (العلاجية) رغم إمكانياته المادية المتواضعة في ذلك الوقت، فكان رحمه الله يتسقط الأخبار عن وصول بعثة أو باخرة أو طبيب للبحرين أو الكويت، وما إن يعلم عن ذلك حتى يسارع بإحضاره وإرساله لعلاج رعاياه في البوادي والقرى بقدر ما يستطيع.

وقد قرأت مذكرات الطبيب الرحالة (لويس ديم)، عندما استدعاه الملك عبد العزيز سنة 1923، وأرسله إلى (شقراء) لعلاج أهاليها، ومنها يقول:

«وعند وصولنا إلى المدينة تم استقبالنا استقبالا جيدا، وذهبنا مباشرة إلى (بيت الزكاة)، وهو مركز الخزينة المحلية التابع (لابن سعود). أخبرنا مسؤول البيت بأن الغربيين أمثالنا كان لا يمكنهم الحصول على ترخيص بدخول هذه المناطق قبل سنوات قليلة... وبسبب طيبة السلطان فقد حصلنا على ترخيص منه لحضوركم إلى هنا لمعالجة المسلمين.

ومنذ الأيام الأولى في شقراء وجدنا الأهالي هنا متعصّبين بشكل كبير، وبسبب ذلك واجهنا الكثير من المناقشات الدينية الطاحنة في أماكن متفرقة من المدينة، ورغم هذا التعصب الديني فإن شيخ شقراء المعروف بالشيخ إبراهيم كان في مقدمة الذين أعطيتهم كل الاحترام والتقدير من بين مئات الناس الذين قابلتهم، وقد أجريت له، ولابنه، عملية فتاق ناجحة، وقد حاول بكل ما استطاع طيلة فترة وجودي في شقراء تحويل عقيدتي إلى الإسلام، ودعاني أكثر من مرة إلى الاستماع إلى القرآن والامتثال إلى كلمة الله الحقة، وعلى الرغم من عدم استطاعة أي منّا - أنا والشيخ إبراهيم - إقناع الآخر بتغيير دينه فإنه بقي صديقا حقيقيا لي حتى آخر يوم في شقراء، وبجانبه حاول أولاده أيضا إقناعي بالإسلام، كما فعل ذلك أيضا وفي مرّات كثيرة بعض شخصيّات المدينة، بل إنني أحيانا حصلت على عروض بالزواج وتوفير المسكن المناسب وغير ذلك إذا أصبحت مسلما.

وعلى الرغم من صخب الأيام في شقراء المملوءة بالمناقشات والزيارات المتبادلة فإننا استطعنا خلال اثني عشر يوما - من 16 يوما هي مدّة إقامتنا هنا - معالجة 953 مريضا، وقمنا بإجراء 48 عملية، وكان هذا العدد بالنسبة لسكان شقراء البالغ من ستة إلى ثمانية آلاف يعتبر دون أي شك عملا عظيما وشيئا لا يستهان به». انتهى كلام (ديم).

وبعيدا عن هذا، سبق لي عندما كنت صغيرا أن شاهدت في مناسبة رجلا وجهه، دون مبالغة، يشبه الشوارع المتقاطعة الممتلئة بالمطبّات والحفر من أثر وباء (الجدري)، وكان يقود أخاه الأعمى الطاعن في السن والمجدور مثله. وعندما شاهد الرجل دهشتي من منظره قال لي ضاحكا: «أجل (وشلون لو شفت وجه أختي العورا)؟!، أكيد سوف (ينفصخ عقلك)!».

وأردف قائلا: «رحم الله الملك عبد العزيز عندما أرسل لقريتنا (تختور إنقليزي) لكي (يوتننا) - أي يطعّمنا - من الجدري، فخافت علينا أمنا رحمها الله منه، فخبأتنا ولم تخرجنا حتى اطمأنت أنه ذهب. فكنا نحن الوحيدين من أطفال القرية الذين ابتلينا بالجدري، فأصابنا ما أصابنا من الذي تراه يا ولدي».