الخطر الذي انتظرناه من الغرب.. فجاءنا من الشرق!

TT

قيل عن عبد الناصر، في عام 67 ولا يزال يقال، إنه كان ينتظر الخطر من الغرب، فجاءه من الشرق! والحقيقة أنه ليس معروفا، إلى هذه اللحظة، ما هو بالضبط ذلك الخطر الذي كان يمكن أن يأتيه من الغرب، فجاء من اتجاه معاكس، وهو، على كل حال، ليس موضوعنا في هذه السطور.. وإنما الموضوع هو أننا عندما نتأمل انتخابات برلمان الثورة في القاهرة، نجد أنفسنا - بالقياس أمام قضية مشابهة - مع اختلاف مكونات القضية هنا، عنها هناك، في عام 67 بالطبع.. فكل ما يربط بين القضيتين، هو أن زعيما كان يتوقع خطرا، وينتظره، من اتجاه محدد، ففاجأه الخطر من اتجاه ليس على باله، ولا في حسابه.. فإذا قفزنا فوق الأيام والسنين، من عام 67 إلى عام 2011 فإننا نجد أن شعبا بكامله، كان يتوقع الخطر في الانتخابات وينتظره، حول صندوق الاقتراع، وفي الطريق إليه، فإذا بالخطر يأتي من داخل الصندوق نفسه، وليس من حوله، ولا من المسافة الممتدة بين الناخب، والصندوق.

ولا أطلب منك شيئا، في لحظتنا هذه، إلا أن ترجع قليلا إلى الوراء، وتحديدا إلي يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني)، حين بدأت الانتخابات في جولتها الأولى، ثم ما قبل ذلك بقليل، ليتبين لك، من خلال ما هو مكتوب ومذاع في وسائل الإعلام، أن كل مصري تقريبا، كان يضع يده على قلبه، خشية العنف الذي يمكن أن يصاحب الانتخابات، وكان كل واحد، وهو يتحدث مع غيره عن صور مثل هذا العنف، يبدي توقعاته، وكانت كل التوقعات تقول بأننا سوف نكون أمام معارك كبيرة حول الصندوق، وفي الطريق إليه، لدرجة أن بعضنا راح يحصي مسبقا عدد القتلى، الذين يمكن أن يسقطوا، من وجهة نظره، في أثناء هذه المعارك.. وكانت التوقعات كلها، في هذا الاتجاه، متشائمة للغاية، ولم يتوقف الأمر، عند حد التشاؤم النظري، وإنما تجاوزه إلى التشاؤم العملي، إذا جاز التعبير، وكان ذلك في صورة تمنيات، على مستوى كثيرين، بأن يقرر المجلس العسكري تأجيل الانتخابات، أسبوعا، أو أسبوعين، إلى أن تهدأ الأمور التي كانت بطبيعتها متوترة، ومشدودة، في الساعات السابقة مباشرة على بدء الانتخابات.

وما إن انطلق سباق الانتخابات، بجولاتها الثلاث، يوم 28 نوفمبر، حتى كان كل مراقب لها، يسأل منذ ساعاتها الأولى، ومع مرور الوقت، عن ضحاياها.. ولم يكن أحد يعنيه كثيرا، ما إذا كان الناخبون قد ذهبوا، أو لم يذهبوا، وبأي عدد، وإنما كان الهم الأكبر يتركز حول السؤال عن ضحايا العملية الانتخابية، وعن عددهم، وأماكنهم في المحافظات!

وكانت المفاجأة الكبرى أن حصيلة الجولة الأولى، بل والثانية، في 18 محافظة، أي في ثلثي مساحة البلد، لم تتجاوز سقوط شخص، أو شخصين، في حادثة عادية هنا، أو واقعة أقل من عادية هناك، وهي حوادث لم تكن بينها وبين الصراع على التصويت علاقة مباشرة، كما كنا نتصور.. كانت الحصيلة مدهشة، بل ومذهلة للجميع، من هذه الزاوية على وجه التحديد، ولم يملك أي متابع للانتخابات، والحال كذلك، إلا أن يظل يضرب كفا بكف، وهو يري أن عنفا من أي نوع، لم يقع في أثناء الانتخابات، التي كان كثيرون يتخيلونها مقدما، وقد سالت فيها دماء كثيرة.. لم يحدث شيء من هذا، وكانت ولا تزال انتخابات مثالية بامتياز، على هذا المستوى بالذات، ولم يظهر بلطجي واحد، من البلطجية الذين كانوا يروعون الناس، ويخوفونهم، إلى قبل بدء الانتخابات بساعة، واختفوا وكأن الأرض قد انشقت وابتلعتهم، وكانت كل مقارنة بين انتخابات 2011 التي تجري بعد ثورة، وفي ظل ظروف استثنائية تماما، وانتخابات 2010 التي أجراها النظام السابق في الموعد نفسه، من العام السابق.. كانت كل مقارنة بينهما تأتي لصالح انتخابات 2011 على طول الخط.

ولذلك، فالخطر الذي تصورناه، ابتداء، لم يقع، ولم يكن له أثر، ووجدنا أنفسنا، في ما يخص هذه النقطة، وكأننا إزاء انتخابات قامت عليها ملائكة من السماء!

وفي المقابل، فإن حديثا آخر، قد بدأ، ثم شاع وامتد، عن خطر آخر، لم نتوقعه، من داخل الصندوق ذاته.. وحين يوصف تقدم التيار الديني، إجمالا، داخل الصندوق، بأنه خطر، فإن هذا، في حد ذاته، ليس طعنا في هذا التيار، ولا في رموزه، بقدر ما هو إشارة إلى أن هذا «التقدم التصويتي» إذا صح التعبير، قد اقترن بتصريحات غير مطمئنة بالمرة، صدرت عن رموز من داخل التيار الديني، وهو الأمر الذي جعل كثيرين يستشعرون الخطر، من داخل الصندوق، لأول مرة، وليس من خارجه أبدا!

قال أحد رموز التيار السلفي، على سبيل المثال، إنهم، كتيار من السلفية، يرون أن المرأة لا يجوز لها أن تتولى مواقع قيادية، وكذلك الأقباط.. وهذه مسألة مقلقة للغاية، لأنها تضرب مبدأ «المواطنة» في مقتل، وهو مبدأ كما نعلم، يساوي بين المصريين جميعا، دون استثناء، ويجعل ما لكل مواطن من حقوق مقترنا بما عليه، من مسؤوليات، دون تفرقة، بين أي مواطن، وآخر، لأي سبب.

ولم يكن هذا وحده، سبب استشعار الخطر إياه، وإنما بدا للجميع، أن التيار الديني، راغب في الاستحواذ على مقاعد البرلمان، دون غيره، بأي طريقة، وكأننا، دون أن ندري، نعيد تكرار ما كان يحدث أيام الحزب الوطني المنحل، في وقت النظام السابق، عندما كان يسيطر على البرلمان، كاملاً، ولا يدع لغيره أي فرصة!

ليس هذا فقط، وإنما تعامل التيار الديني، إجمالا، مع البرلمان المقبل، وكأنه غاية، لذاتها، مع أنه، في الحقيقة، مجرد وسيلة إلى ما بعده.. وكان الظاهر للناس ولا يزال، أن المرشحين الذين ينتمون إلى التيار الديني، يهرولون إلى البرلمان، في ما يشبه الاقتحام، وليس المرور الهادئ عبر بوابة الانتخابات، ومعها المسؤوليات التي على كل نائب في البرلمان أن يحملها على كتفيه.. فالمفترض، أن عضوية النائب، في البرلمان عموما، وفي برلمان هذه هي ظروفه، خصوصا، تظل عبئا، أكثر منها غنيمة يتسابق نحوها المرشحون!

باختصار.. كان الخطر، حتى يوم 28 نوفمبر، متوقعا من خارج الصندوق، وكان على هذا المستوى، هاجسا لدى كل مصري، فإذا به، بعد إعلان مؤشرات الفوز في المرحلتين الأولى والثانية، يتحول إلى خطر من داخل الصندوق، وهاجس لا يتوقف عن التدفق من أعماقه، للأسباب المشار إليها حالا.. ولست أريد هنا، أن أعيد تذكير الذين نسوا، بأن جماعة الإخوان، من خلال حزبها «الحرية والعدالة» كانت تردد طول الوقت، قبل الانتخابات، أنها لن تنافس على أكثر من 25 من المقاعد، فإذا بها وقت الجد، تنافس على أضعاف هذه النسبة.. لا أريد ذلك، لأن تصديق ما كان من قبل، من وعود، بعدم المنافسة، إلا على نسبة معينة، إنما هو سذاجة سياسية، ولكني في المقابل أقول، إن من حق أي تيار سياسي أن ينافس على مقاعد البرلمان كلها، لا ربعها، ولا نصفها، بشرط أن تكون الرسالة الواصلة منه إلى الناس، طول الوقت، أنه ينافس لغرض وحيد، هو أن يعيد بناء دولة، هي في أشد الحاجة إلى إعادة البناء، لا أن ينافس، من أجل أن يفرق بين المواطنين!