حارس الوحدتين

TT

منذ قيام مجلس التعاون الخليجي، حاولت مجالس إقليمية تعاونية أخرى، أن تعلن عن نفسها ولم ترَ النور. شملت هذه الدعوات في مراحل ما، مصر والعراق واليمن، كما شملت اتحادا مغاربيا شلته الفرقة والخلافات والنرجسيات. عرف المجلس الخليجي أزمات وخلافات هو أيضا، تجاوزها جميعا، بسبب ما يجمع أعضاءه من قواعد وآمال مشتركة.

في هذه الأزمنة البالغة الاضطراب، تحولت الطموحات المشتركة إلى مخاوف واحدة. وكان طبيعيا أن تأتي المبادرة الكبرى، من صاحب المبادرات الكبرى، الملك عبد الله بن عبد العزيز: تحويل التحالف الخليجي إلى اتحاد متماسك، مقدمة لما يمكن أن يكون أكبر صيغة وحدوية متجانسة، في عالم عربي تدفع به الأنظمة نحو التشقق.

يسمي الزميل فؤاد مطر الملك عبد الله في كتابه الجديد «أمر الله يا عبد الله»: «خادم الحرمين وحارس الأمتين» (الدار العربية للعلوم). لعله أيضا «حارس الوحدتين». رجل المصالحات والمسامحات الكبرى. الرجل الذي قدمت له وثائق مؤامرة الاغتيال التي دبرها القذافي، فطواها، وقال فلننس. والرجل الذي سار في قمة الكويت فوق الحملات الافترائية، لكي يصافح أصحابها.

طرح عبد الله بن عبد العزيز مبادرة السلام العربية التي وافقت عليها 22 دولة عربية. وطرح مبادرة محاربة الإرهاب من خلال منظمة دولية خاصة. وارتبط اسمه بالقرارات الإصلاحية الكبرى، في الإدارة والتعليم وحماية الاقتصاد ودعم الطبقات الوسطى ورفع شأن العلوم والأبحاث.

يدون فؤاد مطر، في جد ومحبة، سيرة رجل عظيم وتجربة كبرى، أو بالأحرى، مسيرتين: التجربة الداخلية في البناء والإعمار والإصلاح والتنمية، وتلك المهمة القدرية في خضم العالم العربي وبراكين وحرائق الشرق الأوسط. ولم يتغير الدور أو المهمة، لكن جسامة الأحداث زادته حيوية. وهي المحافظة على سلامة الأمة، بصرف النظر عن طبيعة المكابدة أو حجمها، فهو لم يتوقف مرة عند امتنان أو نكران. قاعدته التي لم تتغير أن يرضي ربه وضميره.

عملٌ وعدلٌ ورفعة. كل مشروع تنمية داخلي رافقه عمل تصالحي عربي، ورافقته مبادرة خلق ومحبة وحرص وشعور قومي باتجاه كل العرب، من مصر إلى سوريا إلى لبنان إلى فلسطين. ليس مهما تصرف الآخرين. الضمير هو السيد.