ما الذي يخبئه لنا عام 2012؟

TT

ثمة كم هائل من الأحداث يأخذ مجراه في العالم الآن، مما يجعل من المستحيل التنبؤ بما سيحدث في عام 2012. ومع هذا، فسأطرح بعض الأفكار على أي حال.

سيكون عام 2012 عاما مصيريا بالنسبة للاقتصاد العالمي. ربما تحدد قرارات وإجراءات الحكومات في عام 2012 - جيدة كانت أم سيئة - سمات العقد المقبل.

ثمة حدثان على وجه التحديد من شأنهما إبطاء الانتعاش الاقتصادي في بداية عام 2012: الانتخابات في الكثير من أنحاء العالم وأزمة منطقة اليورو. وربما يكون هناك حدث ثالث له تأثير أكبر على المدى الطويل: الدساتير الجديدة في الشرق الأوسط.

ستجرى الكثير من الانتخابات في عام 2012، من بينها الانتخابات الرئاسية في فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وروسيا ومصر، إلى جانب الانتخابات البرلمانية في عشرات الدول. وتحيط حالة من الشك بالانتخابات الرامية إلى الوصول بالسياسات إلى حالة ثبات. وسيؤدي هذا إلى تأجيل اتخاذ الإجراءات الهامة في النصف الأول من عام 2012. إن تعافي العالم من الركود يسير ببطء، بحسب تقدير صحيفة «ذي إيكونوميست» لإجمالي الناتج المحلي العالمي، اعتمادا على 52 دولة. لقد شهد العام الماضي نمو دول العالم النامي بنسبة تقدر بنحو 7 في المائة. في الوقت نفسه، أثقلت أزمة اليورو كاهل الدول المتقدمة وعاقت نموها. ومن المتوقع أن تكون كل من النيجر والعراق أسرع الدول نموا في عام 2012، مع زيادة إجمالي الناتج المحلي بنسبة 15 في المائة في النيجر و11 في المائة في العراق. على الجانب الآخر، سيتقلص النمو بكل من اليونان وزيمبابوي المثقلتين بالديون بنسبة تقدر بنحو 3 في المائة.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه يجب تذكر أن نحو ثلثي الإنتاج العالمي من البضائع ما زال يأتي من الاقتصادات المتطورة. في منطقة اليورو، من المنتظر أن تؤجل حالة الشك حدوث أي طفرة في النمو حتى أواخر عام 2012. في صحيفة «الفايننشيال تايمز» هذا الأسبوع، قال ماريو دراغي، في أول مقابلة معه كرئيس للبنك المركزي الأوروبي، إن أي دولة في منطقة اليورو تصارع الأزمة المالية، إذا خرجت من تكتل العملة الواحدة سينتظرها مزيد من المحن الاقتصادية. فالدول التي تفكر في الانسحاب من تكتل العملة وتفكر في قيمة عملتها ستعاني من ارتفاع معدل التضخم، كما ستعجز عن تفادي الإصلاحات الهيكلية التي ما زال يتعين عليها تنفيذها.

إن البنك المركزي الأوروبي يتخذ إجراءات غير مسبوقة من أجل دعم بنوك منطقة اليورو، بما في ذلك تقديمه لأول مرة قروضا غير محدودة القيمة أجلها ثلاث سنوات هذا الأسبوع.

ويتخذ مشترو الدين السيادي من القطاع الخاص - بما فيهم البنوك وشركات التأمين وصناديق التقاعد - بشكل عام قرارات خاصة بتوزيع الأصول على أساس ربع سنوي أو سنوي. وما لم يكن من الممكن وضع خطة واضحة ومقنعة بنهاية يناير (كانون الثاني)، فستجد الدول السيادية في منطقة اليورو صعوبة أكبر في سداد ديونها المقدرة بقيمة 637 مليار يورو والتي يحين أجل استحقاقها في عام 2012. تجدر الإشارة إلى أن ما يقرب من 40 في المائة منها يحين موعد استحقاقها في الأشهر الأربعة الأولى من العام. ويتعين على إيطاليا سداد ديون تقدر بنحو 150 مليار يورو في الفترة ما بين فبراير (شباط) وأبريل (نيسان) من العام المقبل، كذلك سيتعين على ألمانيا وفرنسا سداد قيمة ديون ضخمة في الربع الأول من عام 2012.

من هذا المنطلق يتوجب على ساسة المنطقة أخذ مبادرة إعادة بناء ثقة المستثمر في المالية العامة لمنطقة اليورو - بتحقيق الاستقرار للنظام المالي والتفعيل الكامل لصندوق إنقاذ أوروبا، الممثل في مرفق الاستقرار المالي الأوروبي. وأتوقع أنه في اللحظة الأخيرة، سوف يحدث ذلك. أتوقع أيضا أن تغادر اليونان منطقة اليورو في عام 2012، لكنها ستكون الدولة الوحيدة التي تغادرها.

بالنظر إلى المملكة المتحدة، يبدو التوقع معقولا، مع احتفاظ بريطانيا بتصنيفها الممتاز والانخفاض الشديد في أسعار القروض السيادية. وعلى الرغم من التوقعات بتباطؤ النمو، فإنه ليس ثمة حاجة لتبني نظرة تشاؤمية. فاقتصاد المملكة المتحدة لديه القدرة على التعافي والانتعاش. سوف تتحسن الاحتمالات المستقبلية، لكن ليس بين عشية وضحاها. يعتمد حدوث انتعاش اقتصادي قوي على تهيئة الظروف المناسبة للنمو. إن الشركات البريطانية بحاجة إلى أفضل بيئة متاحة لتحقيق الثروة وخلق فرص العمل. ولحسن الحظ تتجه السياسة الحكومية البريطانية صوب تحقيق هذا الهدف.

في الشرق الأوسط، تعتبر التحولات الهائلة التي حدثت في عام 2011 هي العامل الذي يجعل عام 2011 فترة حاسمة. يتعين على قادة دول العالم العربي تحديد كيفية العمل من أجل تحقيق مصالح مواطنيهم. أتوقع تحولات أكبر وثورات أقل في عام 2012.

سيكون 2012 عاما يجب أن تتعاون فيه دول العالم العربي معا على نحو لم تفعله من قبل قط. فيجب أن تتمحور القرارات في النصف الأول من عام 2012 على توحيد الفرق المتعارضة، وعلى انتهاج استراتيجيات بشكل حساس وناضج، وتنحية المصالح الشخصية جانبا. ولن تكون هذه مهمة سهلة. ومع تحول السلطة من النخب الحاكمة الراسخة، ربما تكون علاقاتهم ومصالح الجماعات التي كانت مقموعة من قبل عاملا مهما في وضع الدساتير الجديدة. وإذا تم التحول بشكل صحيح، فسيضمن التشعب والتعددية بين المجموعات ويقود إلى الشمولية والحماية. ثمة أسلوبان: الواقعي والمثالي. وينظر الأسلوب الواقعي إلى الدساتير بوصفها انعكاسا لتوازن القوى، ومن ثم لا يعتبر أن لها أي دور معين كعوامل تغيير. بالمقارنة، ينظر الأسلوب المثالي إلى دور الدستور بوصفه يبتعد عن النظام القديم ويسعى لإرساء نظام سياسي جديد.

ويصبح فهم هذا الغموض بين النموذجين الواقعي والمثالي وثيق الصلة على وجه الخصوص عندما تشمل عمليات وضع الدستور دولة تمر بمرحلة انتقالية. ومن المهم تحقيق ذلك على النحو الصحيح.

سيكون الشرق الأوسط محميا من بعض المشكلات في دول العالم المتقدمة، حيث يعد الطلب المحدود بالإبقاء على المرونة النسبية لأسعار النفط في عام 2012، حتى إذا ما قل إجمالي الناتج المحلي العالمي.

أعتقد أنه على الرغم من كل حالة الشك المسيطرة، فإن أسعار النفط لن تذكر بما حدث في عام 2008، عندما هبطت الأسعار بسرعة من نحو 175 دولارا للبرميل الواحد في يوليو (تموز) 2008 إلى أقل من 50 دولارا بحلول شتاء عام 2009.

ويعتبر جانب العرض بسوق النفط أضعف اليوم مما كان عليه في عام 2008، بحسب «باركليز كابيتال» في لندن. وحتى إذا كان حجم الطلب قد اعتدل، فقد هبط حجم العرض (إجمالي العرض من منظمة الدول المصدرة للنفط وغيرها من الدول الأخرى) بشكل أسرع، مؤديا إلى تراجع ضخم في المخزون على مدار العام. وبحسب آخر بيانات لوكالة الطاقة الدولية، قل مخزون منظمة الدول المصدرة للنفط بنحو 25 مليون برميل عن متوسط مستواه خلال خمس سنوات، مما يضع تلك الدول في موقف أصعب مما كانت عليه في عام 2008، حينما كان لدى الدول وفرة في النفط اعتمادا على الفكرة المدركة التي مفادها أن اقتصادياتهم سوف تستمر في الازدهار.

من ثم، فإنه ليس من المحتمل أن يولد انخفاض الطلب العالمي طاقة فائضة ضخمة في عام 2012. وسيزود هذا الكثير من دول الشرق الأوسط بالمصادر اللازمة لتشكيل بنية تحتية.

ويتمثل التوقع التالي لعام 2012 في أن صندوق النقد الدولي سيصبح أكبر حجما وأقوى، نظرا لأنه سينهض ببعض مسؤوليات الخبراء التكنولوجيين الذين لا يمكنهم إعادة التوازن للاقتصادات من دون دعم سياسي. ومن المتوقع أن توجه أوروبا والاقتصادات الناشئة مواردها من خلال صندوق النقد الدولي. وفي النهاية، سيتوفر مزيد من الفرص في أفريقيا. وسوف ينظر العالم إلى الصينيين بمزيج من المشاعر المختلطة - خاصة في الدول الأصغر التي يدرك فيها ثقل الصين بشكل كبير. وسوف ينتج هذا عن ممارسات العمل السيئة الواردة من الصين جنبا إلى جنب مع السلع والخدمات التي تصدرها. وربما تكون أعمال البناء الصينية عشوائية وأقل متانة بالمقارنة مع نظيراتها الغربية، وقد تهاوت مبان أقامتها شركات صينية من وقت لآخر. لقد تم افتتاح مستشفى في لواندا، عاصمة أنغولا، وسط جلبة إعلامية شديدة، إلا أن شقوقا بدأت تظهر في الحوائط بعد بضعة أشهر وسرعان ما تم إغلاق المستشفى. كما أن الطريق الذي أنشأته شركة صينية من لوساكا، عاصمة زامبيا، إلى تشيروندو، على بعد 130 كم نحو الجنوب الشرقي، سرعان ما جرفته مياه الأمطار.

إن المخرج الوحيد من أزمة الدين هو النمو. ومن المنتظر أن يوفر عام 2012 مزيدا من الفرص لتحقيق مناخ عمل أفضل مما كان في عام 2011، إذ تضع الدول استراتيجيات لتعزيز النمو. أتمنى لكم جميعا عاما جديدا سعيدا آمنا وناجحا.

*أستاذ زائر بكلية إدارة الأعمال بجامعة لندن ميتروبوليتان ورئيس مجلس إدارة شركة «ألترا كابيتال»