صديقتي اليهودية المحترمة

TT

كاد (ينط) بحلقي أحد الأشخاص المتعصبين المتشددين، ولا أقول الجهلاء، وذلك عندما تفوهت في مجلس عام وقلت بكل براءة ولعانة بما معناه باللغة العربية الفصحى المتقعرة: أن لا (ضير) هناك ولا (مندوحة) بأن نتعامل مع اليهود.

وما إن ذكرت ذلك حتى كاد ينط وكأن في مؤخرته (زنبركا)، والحمد لله أنه لم يستطع النط لأن وزنه الثقيل لم يساعده على ذلك.

المهم لكي لا أسرح بكم أكثر، ولكي لا يضيع مني الموضوع القتالي المتناقص الذي أنا بصدده أقول:

إنني على يقين أن ذلك الشخص كاد أو تمنى أن يفترسني عندما تفوهت بكلمتي تلك لأنني لاحظت أن أسنانه تتضرس علي، وبدأ يطحنها طحنا، خصوصا عندما شاهدني وأنا أبتسم بكل سماجة وبرود، وأزيد وأصب على نيرانه زيتا (وديزلا وبنزينا) وأقول له:

إنني تعاملت مع بعض اليهود، ومن ضمنهم فتاة إسرائيلية، الله يذكرها بالخير، وكانت تحمل جنسية مزدوجة، ولم أجد منها إلا كل أدب ولطافة وأريحية، خصوصا أنها تتقن لعبة (الجمباز والأكروبات) أيضا.

جملتي (المازحة) الأخيرة هذه طيرت (عصافير عقله)، فأخذ يشتم ويتف وينف ويسعل، وكلما ازداد هو اشتعاله أكثر، ازددت أنا بابتسامتي (وتلامتي) أكثر وأكثر.

تدخل البعض محاولين التهدئة وفض الاشتباك، خصوصا عندما شاهدوني عاقدا العزم على الخروج من المجلس، لحق بي أحدهم وشدني من كتفي عندما تجاوزت الباب، وأخذ يهدئ علي إلى درجة أنه أمسك بذقني الحليق الذي ليس عليه ولا شعرة واحدة قائلا لي: (حقك علي)، امسحها بوجهي وارجع لمكانك، قلت له بدلع مصطنع: أرجع على شرط واحد، قال: مر، قلت له: أريد (علكة بنعناع)، قال: وما يغلى عليك غال، وما هي إلا أقل من دقيقة حتى تفاجأت به يأتي لي بعلبة (غندور)، عندها رجعت إلى مكاني وتناولت منها حبتين، وما إن جلست وأنا أعلك وأتضرس وعيني بعين ذلك (الفحل) الذي كان بالمقابل يتضرس بوجهي، لكن على لا شيء، ولأول مرة شاهدت أساريره وهي تنفرج قائلا لي: هاه، (نخيت) الآن؟!، ولم أجبه ولكنني سألته: هل تعرف ذات الفضول، وذات الوشاح، وذات الحواشي، والسعدية، والفضة، والبتراء، والخرنق؟!، قال لي: لا، ولكن ما هذا الكلام الأهبل أو (المربط بحصا) - على حد تعبيره - الذي تقوله لنا؟!

وعندما تأكدت من جهله وهو لا يعلم أنها كلها مسميات لدروع رسول الله، أردت أن أشعله وأغيظه أكثر عندما سألته: هل تعرف (أبا الشحم)؟! فقهقه من سؤالي السخيف قائلا: الحمد لله أنني لا أعرفه ما دمت أنت تعرفه، وأراد أن يتفكه معي عندما أردف قائلا وهو ما زال يقهقه: إنني أعرف فقط أبا العظم واللحم والمصارين.

عندها قلت له: إن أبا الشحم هذا يا سيدي هو رجل يهودي كان بالمدينة وقد رهن المصطفى، عليه أفضل الصلاة والسلام، درعه (ذات الفضول) عنده وهي أحب دروعه إليه لقاء (ثلاثين صاعا من شعير) لمدة سنة كاملة، ومات عليه الصلاة والسلام، وظلت درعه مرهونة عند ذلك اليهودي، إلى أن سدد الورثة الدين.

فأين أنا وأنت وكلنا من رسول الله؟!

[email protected]