نجوم التجديف السياسي!

TT

على صفحات «فيس بوك» وفي زوايا «تويتر» وفي التعليقات على «يوتيوب» لا حديث للمثقفين والنخب السياسية في عالمنا العربي سوى عن تجديفات حزب النور السياسية وبراغماتية الإخوان وانكفائهم على وقود الثورة من شباب التغيير الذي ضاع بين الأقدام في معركة الانتخابات والتحالفات بين القوى السياسية والجيش الذي يفهم تماما مواقف وحجم وقدرات مختلف التيارات.

من مفهوم السياحة الحلال مرورا بمرجعية تطبيق الشريعة بعد الفوز ووصولا إلى تصريحات نائب رئيس حزب النور، يسري حماد لإذاعة إسرائيل بأن الجماعة تحترم معاهدة كامب الأمر الذي استقبله وزير المالية الإسرائيلية، يوفال شتاينيتس بابتهاج عارم وغبطة شديدة جعلته يثني على حزب النور ويدعو بقية الأحزاب الممانعة إلى السعي جاهدة إلى أن لا تصبح مصر مصدر تهديد لإسرائيل.

وبالتالي تسارعت مراكز الأبحاث الغربية إلى التحذير من تهميش الإسلاميين الجدد في إشارة للسلفيين وعدم نقلهم إلى صفوف المعارضة لا سيما أنهم كسروا كل الأرقام القياسية في السباق الانتخابي، وفي اعتقادي أنهم الرقم الأول إذا ما أخذنا في الاعتبار المدة القصيرة التي تكونوا فيها إضافة إلى العمر القصير جدا مقارنة بتجربة الإخوان والتيارات المنشقة عنها كحزب الوسط.

صدمة النخب المصرية والعربية تعبر عن أزمة عميقة في فهم الظاهرة الإسلامية بل وتكريس للتصور المقدّس الذي سعت تلك الجماعات ذات المنزع السياسي في تمريره عبر عقود من الزمان، الصورة النمطية للإسلاميين ما زالت مرتبطة بفترة الاضطهاد السياسي في الستينات وما حملته من مظاهر ظلم وتعد وانتهاك لحقوق الإنسان والذي طال في مجمله الجماعات الإسلاموية لكن فصائل أخرى كاليسار بأنواعه طالتها نفس الممارسات لكنها بحكم عدم وجود رافعة الشعارات الدينية وضعف حضورها في المجتمع لم تستطع استثمار مرحلة الاستضعاف التي حلبها الإسلاميون وما زالوا بجدارة في تدعيم مظلوميتهم كمعارضة وقتذاك.

وإذا كانت السياسة مرتعا خصبا لكل الممارسات اللاطهورية بل من الطبيعي أن تكون كذلك لأنها جذرها الأساسي هو اللعب على الممكن عبر أوراق كثيرة كالبراغماتية والميكافيلية والتحالف مع أعداء الأمس بل وإحداث تغييرات جذرية في المقولات الأساسية كالموقف من الديمقراطية ومشاركة المرأة، إلا أن استخدام الحجج الدينية واعتبار كل هذه التجديفات هو جزء من الاجتهاد الشرعي وتغليب المصلحة هو الذي سينعكس سلبا على سمعة الإسلاميين على المدى البعيد بحكم طبيعة التحولات في الصور النمطية والمواقف والتي تأخذ وقتا أطول لكنها من جهة ثانية ستسبب انشقاقات عميقة بدأت تولد من الآن؛ يكفي أن تتابع ردود الأفعال من قبل الإسلاميين داخل وخارج مصر تجاه مواقفهم وهو ما يذكرنا بالانشقاقات الكبيرة التي حدثت بين الإسلاميين في منعرجاتهم التاريخية معاهدة السلام وحرب الخليج والحادي عشر من سبتمبر والتي خلقت حالة من الفوضى على مستوى المواقف والرؤى وإن كانت المعارك السياسية والاستحقاقات الانتخابية سرعان ما تجمع ما افترق بحكم مفاهيم الولاء وتكثير السواد والنصرة وهي مفاهيم تجميعية تستخدم بشكل نفعي.

أحد أهم أخطاء قراءة الحالة الإسلامية هي تعميمها وقياسها على حالات أخرى ومحاولة البحث لها عن جذور خارجية فالسلفية المصرية هي في النهاية تحمل تطورها الخاص في السياق المصري كما أن الحالة السلفية إجمالا في العالم الإسلامي هي نتاج مرحلة وأفكار سائدة تم مراكمتها عبر مدارس ومرجعيات عملت طوال عقود ولعل من المفارقة أن أكبر مؤثر للخطاب السلفي في العالم العربي هو مدرسة أهل الحديث التي تنتمي للشيخ الألباني ووريثه المصري الشيخ أبو إسحاق الحويني والتي هي أفقر نماذج السلفية فيما يخص «السياسة» لكنها الأكثر صلابة في المسائل المتصلة بالسلوك والمظهر والتفاصيل الحياتية التي يمكن أن تطور نماذج مجتمعية متميزة عن غيرها وطاردة للمخالفين لها. ومن هنا يمكن أن نفهم جزءا من السذاجة السياسية التي سهلت قياس كامب ديفيد على صلح الحديبية. وللمفارقة فإن هذا الموقف الذي جعل كثيرا من المراقبين يضربون أخماس الدهشة بأسداس الريبة هو موقف شهير واجه فيه الراحل الشيخ الألباني حركة حماس وبذات الحجج والأدلة وكانت الدنيا أقيمت ولم تقعد آنذاك ووصل الاحتراب الإسلاموي الداخلي إلى حد التكفير والاتهام بالخيانة والعمالة.

الاستعداء ضد السلفيين والذي يتم الآن بأصوات من داخل جماعة الإخوان ولكن بطريقة مواربة وبأساليب مراوغة من خلال إبراز هشاشة السلفيين السياسية ومحاولة تفجير مقولاتهم الاجتماعية والموقف من الأقباط في محاولة لحصارهم عبر ضربهم بتيارات أخرى هي محاولات في النهاية ستنعكس سلبا على الجماعة. فالإخوان كتنظيم هرم وشاخ في المعارضة يعرف جيدا أن تكنيك المظلومية قد يستخدمه السلفيون بامتياز وأن شعبيتهم هي الأقوى على الأرض. فإذا جاز التعبير فإن انتشار السلفية بين الطبقات الأمية إضافة إلى الطبقات المتعلمة التي تنزع إلى السلفية كمنظومة فكرية أكثر من كوادر الإخوان الذين مست كثيرا من قواعدهم الشعبية رياح السلفية وأصبح هناك ما سماه الراحل حسام تمام «ترييف الإخوان» كما أن الحالة السلفية في العالم الإسلامي أكثر تجذرا من الإخوان كتنظيم يعاني من نزوع نحو النخبوية كلما تقدم إلى منصة الحكم.

الأكيد أن اكتفاء بقية اللاعبين السياسيين في مصر من التنظيمات بالفرجة أو تحول جزء منهم إلى حزب الكنبة أو مجرد افتعال أزمات مع الجيش والمجلس العسكري - ولو بمسببات صحيحة - هو خطأ لا يقل عن قصور قراءة الحالة الإسلامية. وهو الأمر الذي تجاوزته التجارب الأخرى في تونس بشكل كبير وفي المغرب واليمن بشكل أقل حيث التعامل مع الإسلاميين كحلفاء سياسيين ومحاسبتهم وفقا للأجندة السياسية بعيدا عن النهم بتتبع شواردهم الاجتماعية أو أوابدهم الفكرية، فهذه مهمة متروكة بامتياز للفن كأداة تعبيرية وجمالية وليس للسياسة التي يبدو أن التنظيمات السياسية اليوم أكثر بعدا عنها.

[email protected]