كيف ننقذ العراق من الحرب الأهلية؟

TT

يقف العراق اليوم على أعتاب كارثة. حافظ الرئيس أوباما على وعده أثناء حملته الانتخابية بإنهاء الحرب هنا، ولكنها انتهت بطريقة لم يكن أحد في واشنطن يرغب بها. فالجائزة، التي ظن الكثير من الجنود الأميركيين أنهم يحاربون من أجلها، كانت تأسيس ديمقراطية قادرة على أداء مهامها ودولة غير طائفية، بيد أن العراق اليوم يمضي في الاتجاه المعاكس: نحو ديكتاتورية طائفية تحمل في طياتها نذر حرب أهلية مروعة.

منذ الانتخابات العراقية في 2010 ونحن نشهد جهود إخضاع الدولة لحزب الدعوة الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء نوري كامل المالكي وتقويض استقلالية القضاء وتهديد المعارضين وتفكيك المؤسسات المستقلة التي كانت تسعى إلى دعم الانتخابات النظيفة ومحاربة الفساد. كل هذا حدث في مرحلة الربيع العربي، وبينما الدول العربية الأخرى تخلع حكامها الديكتاتوريين وتسعى نحو الديمقراطية. وكان لدى العراق الفرصة ليبرهن، للمرة الأولى في الشرق الأوسط المعاصر، أنه يمكن تداول السلطة السياسية سلميا ما بين الخصوم السياسيين بموجب انتخابات نزيهة، ولكن بدلا من هذا، أصبح العراق ساحة للحرب ما بين الطوائف المختلفة بحيث أعاقت السياسات القائمة على الهوية جهود التنمية الديمقراطية.

نحن قيادات القائمة العراقية، التحالف السياسي الذي فاز بالعدد الأكبر من المقاعد في انتخابات 2010 والذي يمثل أكثر من ربع مجموع الشعب العراقي. ونحن لا نعتبر أنفسنا سنة أو شيعة وإنما نحن عراقيون تشمل قاعدتنا الانتخابية مختلف أنحاء العراق. ونحن نتعرض الآن لمطاردات وتهديدات من قبل السيد المالكي الذي يسعى لإخراجنا من الحياة السياسية في العراق وإلى تأسيس دولة ديكتاتورية قائمة على الحزب الأوحد.

على مدار الأسابيع الماضية ومع انتهاء الوجود الأميركي العسكري، تحركت قوى عسكرية أخرى لملء الفراغ، فأحاطت قوات الأمن التابعة للسيد المالكي بمنازلنا ومكاتبنا في المنطقة الخضراء في بغداد، حيث قام بفرض الحصار على قائمتنا، وفعل هذا بمباركة من القضاء الذي تم تسييسه ومسؤولي تنفيذ القانون الذين أصبحوا بمثابة امتداد لمكتب المالكي الشخصي.

واتهم المالكي السيد طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي بالإرهاب، وسعى إلى طرد السيد صالح المطلك نائب رئيس الوزراء، كما سعى إلى التحقيق مع واحد منا، وهو السيد رافع العيساوي، بمزاعم صلته بالمتمردين، وقد اتخذ المالكي هذه الخطوات في أعقاب عودته من واشنطن، مما أعطى العراقيين انطباعا خاطئا بأن الولايات المتحدة قد منحته الضوء الأخضر للقيام بهذا.

وبعد أن طالب السيد جو بايدن نائب الرئيس الأميركي في 6 ديسمبر (كانون الأول) كافة الأطراف بالحفاظ على وحدة الحكومة، هدد المالكي بتشكيل حكومة تستبعد القائمة العراقية وغيرها من الأصوات المعارضة تماما. وفي الوقت نفسه، يرحب المالكي بانخراط الميليشيا الشيعية المدعومة من إيران والمعروفة باسم «عصائب أهل الحق» في العملية السياسة، وهي المجموعة التي قام قادتها باختطاف وقتل خمسة جنود أميركيين وقتل أربعة رهائن بريطانيين في 2007.

لم يكن يتحتم أن تمضي الأمور هكذا. فقد تحمل الشعب العراقي فترة التحول الدموية المؤلمة بعد سقوط نظام صدام حسين، أملا في مستقبل أفضل. وعقب انتخابات 2010، شعرنا بأن أمامنا فرصة حقيقية لنؤسس عراقا جديدا يمكنه أن يصبح مثلا يحتذى به في المنطقة. وكنا بحاجة للولايات المتحدة لحماية العملية السياسية ومنع الانتهاكات الدستورية والمساعدة في تطوير المؤسسات الديمقراطية.

ودعما للاستقرار، وافقت القائمة العراقية على الانضمام إلى حكومة وحدة وطنية بعد اتفاقية تقاسم السلطة التاريخية التي تم التوصل لها منذ عام في أربيل. ولكن، وعلى مدار أكثر من عام يرفض المالكي تنفيذ هذه الاتفاقية، بل ويسعى إلى تكريس المزيد من السلطات في يده. وكان من المفترض وفقا لاتفاقية أربيل أن يترأس واحد منا، وهو السيد إياد علاوي، مجلسا مقترحا للسياسات، ولكنه رفض هذا المنصب لعدم تضمنه أي صلاحيات بعد أن رفض المالكي مشاركة طرف آخر في سلطة صنع القرار.

وعقب انتخابات 2010، تولى المالكي منصب وزير الداخلية، ووزير الدفاع، ووزير الأمن القومي (وفوض بعدها حقيبتي الدفاع والأمن القومي لموالين له دون موافقة البرلمان). وللأسف، استمرت الولايات المتحدة في دعمها للمالكي بعد تنصله من اتفاقية أربيل، وفي تعزيز قوات الأمن التي تعمل دون رقابة ديمقراطية.

وتعمل الولايات المتحدة الآن مع العراقيين لعقد مؤتمر وطني آخر لحل الأزمة، ونحن نرحب بهذه الخطوة ونعلن استعدادنا لحل مشكلاتنا بطريقة سلمية، على أن تكون اتفاقية أربيل هي نقطة البداية، ولكن على مكتب السيد المالكي أولا التوقف عن إصدار تعليماته إلى وحدات الجيش وعن القيام بتعيينات عسكرية أحادية الجانب وعن السعي للتأثير على القضاء، ويجب أن يكف مستشاره للأمن الوطني يده عن السيطرة الكاملة على جهاز المخابرات العراقية وإدارة الأمن القومي، والتي من المفترض أن تكونا مؤسستين مستقلتين ولكنهما تحولتا إلى امتداد لحزب الدعوة التابع للمالكي، وأن يتوقف الموالون لحزب الدعوة عن السيطرة على الوحدات الأمنية التي تشرف على المنطقة الخضراء وتقوم بتهديد المعارضين السياسيين.

يجب أن توضح الولايات المتحدة بجلاء أن تشكيل حكومة لتقاسم السلطة هو السبيل الوحيد المتاح أمام العراق وأن الدعم الأميركي للمالكي يتوقف على تنفيذه لاتفاقية أربيل وحله للكيانات غير الدستورية التي يحكم الآن من خلالها. كما يجب أن تكون المساعدات الأميركية لقوات الجيش والشرطة العراقية وأجهزة المخابرات متوقفة على كون هذه الكيانات ممثلة للدولة بأكملها وليس لطائفة واحدة أو حزب واحد.

على مدى سنوات، سعينا إلى التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة لمساعدتنا في بناء العراق الذي نحلم به، كدولة وطنية ليبرالية علمانية تضم مؤسسات ديمقراطية وثقافة ديمقراطية. ولكن الانسحاب الأميركي قد يخلف وراءه عراقا كنا نخشى من ظهوره، فنرى دولة يحمي فيها الجيش ذو الميول الحزبية نظاما طائفيا يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة دون اعتبار للشعب أو الدستور، وتهادن فيه السلطة القضائية من بيدهم مقاليد الأمور، وتستحوذ فيه نخبة فاسدة على ثروات العراق بدلا من استثمارها في تنمية البلاد.

نحن سعداء بعودة جنودكم الشجعان إلى أوطانهم في فترة الأعياد، ونتمنى لهم السلام والسعادة، ولكن العراق قد أصبح الآن مرة أخرى على شفا الهاوية، ونحن نطلب من القادة الأميركيين تفهم حقيقة أن منحهم الدعم غير المشروط للمالكي يدفع العراق نحو حرب أهلية.

ما لم تتخذ الولايات المتحدة خطوات سريعة للمساعدة في تشكيل حكومة وحدة، فسيمضي العراق إلى مصير محتوم.

* علاوي، رئيس تحالف العراقية، شغل منصب رئيس الوزراء في 2004 - 2005. والنجيفي رئيس مجلس النواب العراقي. والعيساوي وزير المالية العراقي.