شخصية العام: المتظاهرة

TT

أما وقد اختارت مجلة «Time» الأميركية المتظاهر ليكون شخصية العام، فلا بأس من محاولة تطوير الفكرة إعلاميا، وهذا ما أعتقده ملحا ونحن نجري جردتنا السنوية مع نهاية السنة.

يستحق المتظاهر، خصوصا العربي، أن نحتفي به، وهذا لا يحتاج إلى جدل، لكن هناك انعطافات مقلقة تمر بها الثورات العربية تبعث الكثير من المخاوف بشأن تقويض الحريات، بدلا من تدعيمها، خصوصا لجهة وضع المرأة. وهذه المرأة العربية، أو المتظاهرة العربية، فاجأت نفسها والعالم بمدى انخراطها بالثورات، وهي حقيقة تستحق منا، كأهل صحافة وإعلام، أن نتأمل فيها وفي كم كانت المتظاهرة هي شخصية عام 2011، أو من شخصياته، ولو من دون تسمية ذلك.. فهذا الربيع العربي ما كان ليبزغ من دون المتظاهرات اللاتي تحدين السلطات وتعرضن لأذى جسدي فعلي، مما جعلهن يظهرن كقوة ليس من السهل إعادتها إلى المطبخ، كما نادى بعض المتشددين حين تصدوا لمظاهرة نسائية في تونس تطالب بحقوق المرأة.

المتظاهرات كن في صدارة مواجهات الشارع في تونس ومصر والبحرين وليبيا واليمن وسوريا؛ فهن واجهن الأمن في تونس، ونمن في العراء في ساحة التحرير في مصر، وكن في قلب معركة إسقاط النظام الليبي، ووزعن منشورات وتظاهرن في سوريا، وقاومن دعوات إعادتهن إلى المنزل في اليمن، وكن من أوائل من تظاهر في البحرين.

لكن الخيبات التي سريعا ما برزت في دول الثورات مقلقة؛ فهل خاضت النساء صراع الحرية لتخسر حتى بعض المكاسب البسيطة التي كانت قد حققتها في ظل الديكتاتوريات؟

هؤلاء النساء والفتيات اللاتي اعتقدن قبل غيرهن ربما أنهن لن يخرجن من بيوتهن، هن في الواقع، سواء أكن محجبات أم علمانيات، قد خرجن، وليس من السهل إعادتهن إلى المطبخ.. مع هذا نسمع من ناشطات ونساء كثيرات أنهن لم يشعرن بالخوف على حرية المرأة في العالم العربي كما يشعرن اليوم. كيف لا يشعرن بذلك وفتيات ونساء كثيرات يُضربن ويعتدى عليهن ويسحلن ويتعرضن من قِبل الأنظمة لفحوصات العذرية كما جرى في مصر في الشوارع نفسها، التي خاطرن بحياتهن من أجل النزول إليها والمناداة بالحرية. كيف لا يقلقن وما إن باشر بعض من ركب موجة الثورات عهد ما بعد سقوط الأنظمة بالدعوة إلى تشريع تعدد الزوجات كما حدث في ليبيا..

مباعث القلق كثيرة، مما يجعل من المبرر بل ومن الضروري التفكير في المتظاهرة بصفتها شخصية العام الماضي والعام المقبل أيضا. ولا نعني في هذا الاختيار اعتبار الأمر تلاعبا لغويا أو تذاكيا عابرا، بل هو تعبير عن حاجة ماسة لدعم سياسي وإعلامي وثقافي، وإبراز تلك المتظاهرة التي يبدو أن من يسعى لتقويض موقعها ودورها كثر بل هم بدأوا يعدون العدة لهجوم مضاد عليها.

نعم، لتكن المتظاهرة شخصية العام 2011 قبل أن يفوت الأوان وتصبح ضحيته.

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام