2011.. عام تلاشي الخرافات

TT

2011 يا له من عام!.. إن بدايته الكئيبة تعد ذكرى من ذكريات الماضي البعيد، ومع ذلك، فقد انتهى مثل غيره من الأعوام التي تترك أثرا في التاريخ.

وبصورة ما، كان 2011 عاما من التوضيحات.. ففي ما يتعلق بـ«العالم الصناعي» شهد ما يسمى نهاية خرافة العولمة.

قبل عقد من الزمان، اعتقد العديد من الأشخاص أن العولمة ستؤدي إلى ازدهار لا ينتهي. فجأة، بدأ العالم يعج بالرأسمالية التي، جنبا إلى جنب مع الأيدي العاملة الرخيصة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، كان من المفترض أن تدعم مستويات المعيشة المرتفعة في أوروبا وأميركا الشمالية.

وعلى الرغم من ذلك، فقد أظهر عام 2011 أن معظم رؤوس الأموال المتداولة حول العالم تشتمل على أرصدة تم جمعها من خلال معادلات رياضية شيطانية. وبعد أن كنا قد بدأنا بإنفاق الدولارات أو اليوروهات، انتهى بنا الحال إلى إنفاق ما تبقى لدينا من الدولارات واليوروهات مرات لا تعد ولا تحصى. وقد كشفت التجربة أنه بعد أن تهاونت الرأسمالية بشأن التجاوزات التي حدثت في قواعدها، انتهى الحال بها إلى إعادة فرض تلك القواعد بصرامة شديدة. لهذا فقد ظلت الرأسمالية أكثر الأنظمة سوءا.

كذلك فقد تم الكشف عن خرافة أخرى في عام 2011 وهي خرافة اليورو الذي بلغ عامه العاشر. وكانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يقوم فيها مجموعة من البيروقراطيين بإنشاء عملة دولية على أمل أن تكون خطوة نحو اتحاد سياسي. بعبارة أخرى، لقد وضعوا العربة أمام الحصان. لكنهم لم يستطيعوا تحديد ما إذا كانوا يريدونها عملة خاصة بدولة معينة أم عملة مشتركة.

وفي عام 2011، أصبح من الواضح أنه على الرغم من كون اليورو عملة، فإنه لم يصبح نقودا حقيقية. ومن الممكن أن يتحول أي شيء إلى عملة، إذا ما رغبنا في إجراء أي عمليات تبادل. ففي فترات مختلفة من التاريخ، كانت منتجات مثل السكر والزعفران، ومعادن مثل البرونز والفضة والذهب، تعمل كعملة. وفي بعض الأحيان، كانت الحيوانات وحتى العبيد يقومون بهذا الغرض. لكن النقود ليست مجرد عملة. إنها رمز للاستقرار والنفوذ وتوليد الثقة. لقد أصبحت النقود أداة سياسية يمكنها أن تقوم بمهام تتجاوز المجال الاقتصادي، في الوقت الذي تعد فيه العملة مجرد وسيلة للتجارة.

أما بالنسبة للشرق الأوسط الكبير، فيعد عام 2011، العام الذي شهد «الربيع العربي»، أشبه بعام 1848 في أوروبا. لكن إلى أي مدى قد تصل تلك المقارنة؟.. ما زال الوقت مبكرا للغاية كي يمكننا أن نحدد ذلك. ففي أوروبا، انتهت ثورات 1848، التي بدأت باسم الحرية والديمقراطية، بإنشاء أنظمة ديكتاتورية تحت حكم بيسمارك ونابليون الثالث. لكن هل من الممكن أن يحدث الشيء نفسه مع «الربيع العربي»؟ إن الإجابة الصادقة عن ذلك هي أننا لا ندري. وعلى الرغم من ذلك، فقد أطاح «الربيع العربي» بخرافتين على الأقل.

الخرافة الأولى تمثلت في النظام الأمني العسكري الذي كان دائما ما تتم الإشارة إليه على أنه النموذج المثالي في الدول العربية. وعلى الرغم من أن هذا النموذج لا يزال قائما في سوريا والسودان وموريتانيا، فلا أحد يجرؤ الآن على وصفه بأنه النموذج الأمثل لأي دولة عربية. أما الخرافة الثانية فهي الادعاء بأن العرب، إذا ما منحت لهم الفرصة، سيقفزون من الحكم العسكري المستبد إلى الاستبداد السلفي.

لكن هذا لم يحدث، ففي الانتخابات من المغرب وحتى الأردن، مرورا بتونس ومصر، فشلت الأحزاب الإسلامية المعلن عنها في الحصول على دعم نصف الناخبين. وقد دخل الإسلاميون السباق متخفين داخل تحالفات مختلفة، وفازوا بأغلبية في معظم الأماكن. ومع ذلك، فهم يعلمون أن دعما يتراوح بين 10 إلى 30 في المائة من إجمالي عدد الناخبين ليس كافيا لإرساء حكم ديني مطلق. وهذا هو السبب وراء اهتمامهم الشديد بعدم ذكر أي لمحة عن حملاتهم الروتينية الصاخبة، وظهورهم كأحزاب محافظة معتدلة تتبع سياسة اقتصادية تدعم السوق.

الأمر الأكثر أهمية هو أنه يتعين على الإسلاميين من جميع الأطياف أن يقروا أن السلطة تنبع من إرادة الشعب التي عبر عنها من خلال الانتخابات، وليس من أي ادعاء بالولاية الإلهية. وهذا يعني أنه في الوقت الذي قد يتعارض فيه الإسلام مع الديمقراطية، فإن الديمقراطية لا تتعارض مع الإسلام أو أي دين آخر.

وهناك أيضا خرافة بدأت في التلاشي بخصوص الجمهورية الإسلامية في إيران. وبينما يوشك عام 2011 على الانتهاء، أصبح من الواضح أن الكلمات الثلاث في الاسم الرسمي للنظام الخميني زائدة عن الحاجة. فهذا النظام ليس إسلاميا أو جمهوريا أو حتى إيرانيا. بل هو نظام أمن عسكري متنكر في زي «إمامة». وهذا هو السبب في أن الأحزاب الإسلامية في جميع أنحاء العالم تصر على أنها لا تأمل في تكرار التجربة الإيرانية المأساوية. حتى الرئيس أحمدي نجاد ومؤيدوه يدركون هذا الأمر الآن ويدعون أنهم يحاولون إضافة بعض الصفات الجمهورية والإيرانية في النظام، لكن مع أمل ضئيل في النجاح.

وقد تم كشف خرافة أخرى في عام 2011 ألا وهي عدم جدوى الضغوط الخارجية على الأنظمة الاستبدادية. فمع اقتراب عام 2011 من الانتهاء، بدأ واحد من أكثر النظم الاستبدادية قوة وصلادة في آسيا في التصدع في بورما، حيث أدرك المجلس العسكري الحاكم في رانغون، والذي يعمل تحت شعار «ميانمار الاشتراكية»، أنه غير قادر على التعامل مع الضغوط الخارجية والعقوبات والمعارضة الداخلية، وأن اللعبة انتهت بالنسبة له.

وكانت روسيا مسرحا لخرافة أخرى تم الكشف عنها. فقبل أسابيع قليلة، كان معظم الخبراء يعتقدون أن فلاديمير بوتين وديمتري ميدفيديف سيبقيان في السلطة حتى عام 2036. ومع ذلك، فإن القليل من الخبراء الآن على استعداد للمراهنة على أن بوتين قد يفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة.

وقد شهد العراق أيضا كشف خرافة أخرى، حيث كان من المفترض أن الأميركيين قد غزوا العراق لبناء قواعد عسكرية دائمة وسرقة النفط. على الرغم من ذلك، فإنه مع انتهاء عام 2011 لم تكن هناك أي قواعد عسكرية أميركية في العراق، كما لم تُبد أي شركة نفط أميركية رغبتها في التورط في قطاعات النفط العراقي المعقدة. غير أن نهاية هذه الخرافة ارتبطت ببدء أخرى تشير إلى أن النظام الخميني المحتضر في إيران قد ابتلع العراق.

علاوة على ذلك، فقد كانت هناك خرافة أخرى مفادها أن أسامة بن لادن لم يمت، وأن الإرهاب العالمي لم ينته أيضا. وفي 2011، تحولت هذه الخرافة إلى مهزلة تشير إلى أن الجهادي العظيم حاول أن يختبئ خلف زوجته لتجنب نيران قوات «السيلز» الأميركية.

إذن، كيف كان هذا العام؟ بوجه عام، لم يكن سيئا.