الوفيات والجرعات المفرطة للأدوية

TT

وفاة مايكل جاكسون لم تكن المثال الوحيد، لكنها الأشهر مؤخراً في وفيات التسمم الناجمة عن سوء استخدام الأدوية المسكنة للألم painkiller والإفراط في تناول جرعات عالية منها drug overdoses. وفي العشرين من ديسمبر الحالي أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية CDC تقريرها الخاص بالوفيات الناجمة عن تناول جرعات مفرطة من تلك النوعية للأدوية، واحتوى على نتائج مزعجة مفادها أن عدد الوفيات هذه قد ارتفع بشكل لم يسبق له مثيل، وأمسى أكثر من عدد الوفيات بسبب حوادث السيارات!.

وقالت مارغرت وارنر، كاتبة التقرير والمتخصصة في إصابات الحوادث، أن عدد حالات التسمم بتناول جرعات مفرطة من الأدوية ارتفع ستة أضعاف خلال العقود الثلاث الماضية، ومن المتوقع أن يستمر في الارتفاع، وخاصة الأدوية المسكنة للألم. وأن هذا الارتفاع في نسبة وفيات الجرعات المفرطة للأدوية تزامن مع انخفاض بنسبة 15% للوفيات بسبب حوادث السيارات. ولاحظ التقرير أن الإحصائيات الطبية تشير إلى أن 40% من وفيات التسمم بالأدوية كانت نوعية أدوية تسكين الألم المحتوية على مشتقات الأفيون opioid painkillers ، ما يعني على حد قول التقرير أن ثمة حالة وبائية في الوفيات الناجمة عن نوعية الأدوية تلك التي يحتاج الحصول عليها من الصيدليات إلى وصفة طبية. وأشار التقرير أيضاً إلى أن مبيعات هذه النوعية من الأدوية بالولايات المتحدة، ارتفع أربعة أضعاف في خلال العشر سنوات الماضية فقط!.

والملفت للنظر أن الوفيات الناجمة عن تناول الجرعات المفرطة من تلك الأدوية لم يكن بقصد الانتحار كما قد يعتقد البعض، بل دونما قصد حقيقة، ولم تتجاوز نسبة محاولة الانتحار من خلال تناولها بكميات عالية، الـ13%. وأكدت وارنر أهمية نتائج التقرير من خلال تذكيرها أن “حصول الوفاة”هو مؤشر إحصائي محدد ولا لبس في إحصاء عدده، بخلاف أي من المؤشرات المرضية الأخرى، ويُعطي عدد الوفيات تحديداً لا لبس فيه لحجم المشكلة. كما لفتت النظر إلى أن عدد الوفيات يُمثل رأس جبل الثلج iceberg الطافي في المحيط ، ما يعني أن العدد الحقيقي للمسرفين في تناول أدوية تسكين الألم المحتوية على مشتقات الأفيون ودونما دواعي طبية، هو بالفعل مرتفع بشكل أكبر مما يُظن. هذا بالرغم من الإحصائيات السنوية في الولايات المتحدة تتحدث عن أن عدد هؤلاء يتجاوز 12 مليون شخص، وأن فاتورة الكلفة المادية، على شركات التأمين فقط، جراء هذا السلوك الخاطئ في تناول الأدوية، يتجاوز مبلغ 72 مليار دولار سنوياً. كما أن جانباً واحداً فقط من الفاتورة الصحية لهذه المشكلة، يتمثل في أعداد الحالات التي اضطرت إلى زيارة أقسام الإسعاف بالمستشفيات الأميركية لعلاج مضاعفات الإفراط في تناول الأدوية المسكنة للألم خلال فقط عام 2009، وهو ما أشار التقرير إلى أنه تجاوز 500 ألف حالة، بكل ما يعني هذا الرقم من شغل غرف أقسام الإسعاف وتشغيل الطاقم الطبي في معالجتهم وأعداد منْ احتاجت حالتهم الدخول إلى المستشفيات وتكاليف كل ذلك الاقتصادية والاجتماعية وغيره.

وكل فقرة من مجموعة الإحصائيات والأرقام، ومدلولاتها وترجماتها الصحية والاقتصادية والاجتماعية، والتي اقتصر العرض على انتقاء بعض منها، تحتاج بالفعل إلى تأمل وتحليل لوضع حلول لمشكلة أضحت تتسبب بالوفيات بأعداد كبيرة لا تختلف عن تلك التي تُوصف بأنها وباء. وما يحصل في هذا الشأن في المجتمعات الأميركية لا يختلف كثيراً عن مناطق كثيرة بالعالم، ولكن تظل الميزة الأهم لتلك المجتمعات هي توفر الإحصائيات الدقيقة والسنوية.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]