إيران تفرض سيطرتها على مضيق هرمز

TT

قبل نهاية عام 2011، فرضت إيران سيطرتها على مضيق هرمز البحري، وصارت تتحكم في سير الملاحة الدولية في الممر الرئيسي لدول الخليج الست والعراق. وتزامنا مع احتفال العالم الغربي بأعياد الميلاد في 23 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بدأت البحرية الإيرانية مناورات كبيرة في مضيق هرمز بالخليج العربي، تمتد في المياه الدولية بخليج عمان وبحر العرب وتستمر عشرة أيام حتى نهاية احتفالات رأس السنة في الثاني من يناير (كانون الثاني) 2012. وأعلن الأميرال حبيب الله سياري - قائد القوات البحرية الإيرانية - أن وحداته ستستخدم في مناوراتها أحدث نظم الصواريخ والطوربيدات، كما ستقوم باختبار بعض المعدات العسكرية الجديدة. وأوضح سياري أن الهدف من هذه المناورات هو إظهار القوة العسكرية الضاربة لإيران، وقدراتها على العمل في المياه الدولية. ثم هدد محمد علي رحيمي نائب الرئيس أحمدي نجاد، بأن بلاده سوف تمنع مرور النفط العربي عبر مضيق هرمز إذا ما فرضت الدول الغربية عقوبات على صادرات إيران النفطية.

جرت المناورات الإيرانية التي أطلق عليها اسم «ولاية 90»، تحت أعين سفن الأسطول الأميركي الخامس المتمركز في البحرين. وردا على التهديدات الإيرانية قالت المتحدثة باسم الأسطول الخامس المكلف بحماية مياه الخليج وبحر عمان والبحر الأحمر، إن الأسطول الأميركي لن يسمح بتعطيل الملاحة الدولية في خليج هرمز، وسوف يكون مستعدا لمواجهة أية تصرفات مسيئة لضمان أمن وحرية الملاحة في مضيق هرمز.

فمنذ عام 2008 قامت إيران بإنشاء بعض القواعد البحرية على طول ساحلها المطل على الخليج العربي، وخاصة عند مضيق هرمز. ولما كانت إيران تدرك عدم قدرتها على تأمين حماية كاملة لمفاعلاتها النووية في مواجهة هجوم غربي من الجو - رغم استطاعتها توجيه ضربات إلى إسرائيل عن طريق حزب الله في لبنان - فإنها غير قادرة على الوصول إلى الولايات المتحدة نفسها أو أي من حلفائها الأوروبيين. لذلك اعتمدت إيران في خطتها الدفاعية على تهديد مصالح الغرب في منطقة الخليج العربي بالذات، حيث توجد منابع البترول التي يحتاج إليها الغرب لتسيير عجلته الاقتصادية. وهي في هذا تتبع أسلوب الاختطاف والمساومة، عن طريق فرض نوع من الوصاية على منطقة الخليج، التي جعلتها بمثابة رهينة تضمن عن طريقها تردد الدول الغربية في مهاجمة مفاعلاتها النووية.

وبخلاف تهديد إيران بالحرب إذا ما شنت القوات الغربية هجوما على مفاعلاتها النووية، ترجع أهمية هذه المناورات بالنسبة لإيران باعتبارها إنذارا وتحذيرا موجها - ليس فقط إلى الولايات المتحدة وإسرائيل - بل كذلك إلى دول الخليج العربية، بأن بإمكانها إغلاق مضيق هرمز أمام حاملات النفط وتهديد العالم الغربي بمنع وصول البترول العربي إليه. فمضيق هرمز يمتد لمسافة 280 كيلومترا بين الخليج العربي وخليج عمان، ويتراوح في عرضه بين 39 و54 كيلومترا، ولا يزيد عمقه على 80 مترا. وقد استمد اسمه من اسم جزيرة إيرانية صغيرة تحمل اسم أحد آلهة الفرس القديمة «هرمز»، تقع على بعد 5 كيلومترات من الساحل الإيراني. كما توجد بالمضيق ثلاث جزر أخرى استولت عليها إيران من دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971.

كانت العلاقات بين إيران والولايات المتحدة قد ساءت منذ قيام الثورة في 1979، عندما احتل شباب الثورة مبنى السفارة واحتجزوا بعض دبلوماسييها كرهائن، مما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ورغم محاولات الرئيس باراك أوباما - منذ الأسبوع الأول لرئاسته - الدخول في مباحثات مباشرة مع إيران ومحاولة إعادة العلاقات معها، فقد فشلت هذه المحاولات جميعها بسبب إصرار إيران على المضي قدما في إنتاج السلاح النووي. ثم أعلن أحمدي نجاد منذ اختياره رئيسا للجمهورية الإسلامية، رغبته في القضاء على إسرائيل. وفي الخامس والعشرين من ديسمبر الماضي، أكد أحمد وحيدي وزير الدفاع الإيراني أن أي عمل تشنه إسرائيل ضد إيران سيكون بمثابة انتحار لها. كما قال وحيدي إن بلاده أصبحت الآن تقوم بإنتاج كافة أنواع الأسلحة المتطورة، بدءا من الطائرات دون طيار إلى مختلف أنواع الأسلحة الدفاعية والهجومية.

وبحسب الروايات الإسرائيلية فإن زعيم حزب الله طلب من رجاله - في ذات اليوم الذي بدأت فيه إيران مناوراتها البحرية في هرمز - الاستعداد للحرب، وهدد حسن نصر الله بضرب إسرائيل بالصواريخ، مؤكدا عدم قدرتها على منع صواريخه من إصابة أهدافها التي قال إنها ستقرر مصير الحرب بين إيران وإسرائيل. وقال نصر الله: «نعلم أن الجيش السوري الذي يقاتل منذ عشرة أشهر ضد متمردين على بشار الأسد، لا يستطيع أن يأتي لمساعدتنا»، لكنه كان واثقا من قدرته على مواجهة العدو وحده دون حاجة للمساعدة.

ليس هناك أدنى شك في أن كلا من الولايات المتحدة وإسرائيل - وربما بعض الدول الغربية الأخرى - قد أعدت بالفعل خطة لضرب المفاعلات النووية الإيرانية، في حال فشلت كل المحاولات الأخرى لمنعها من إنتاج سلاح نووي. وفي استطاعة إيران إنهاء النزاع الآن ورفع العقوبات الدولية المفروضة عليها فورا، لو أنها قررت الالتزام بمطالب هيئة الطاقة الدولية والكف عن محاولة إنتاج السلاح النووي. لكن اعتماد طهران فقط على محاولة تخويف العالم من نتائج تدمير المفاعلات النووية لن يكفي. فالكل صار يفكر: إذا كانت إيران تهدد بالسيطرة على مصادر البترول الآن، فماذا سوف تفعل لو صار لديها سلاح نووي؟!