في وداع سنة واستقبال أخرى

TT

سويعات قليلة ويطوي عام 2011 صفحات غريبة ومثيرة ومفزعة ومحبطة بالمجمل، لأنه عام الصور الكبيرة والكلمات المقتضبة. مشاهد تحكي عن نفسها، وكلمات بسيطة تبقى في الذاكرة، وكأنما يذكرنا بمقولة أحد الصالحين الفلاسفة المعروفين ببغداد (النفري) الذي قال قولته الشهيرة: «كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة». فتسونامي اليابان وزلزالها المدمر والتهديد الخطير بالذوبان النووي في مفاعلها اختزل في كلمة واحدة: التسونامي، لأن المشاهد كانت أقوى وأبلغ من أي تعبير آخر، وكذلك كان الوضع الاقتصادي الخطير نتاج أزمة ديون أوروبا وتداعياتها الكبيرة التي اختصرت في كلمة اليورو، ولم يكن الربيع العربي الكبير غائبا عن ذلك الحراك، كيف لا وقد كان الحدث الأهم، وساهم في تكوين مشاهد وصور وكلمات ستبقى خالدة في التاريخ. حدثني أحد علماء القانون بإعجاب شديد عن بلاغة المطلب الأشهر للجماهير العربية الثائرة في أكثر من عاصمة عربية، والمقصود هو الجملة المعروفة: «الشعب يريد إسقاط النظام» فهي تلخص بوضوح الرؤيا والرسالة، الشعب بمعنى الكل والجميع، ويريد معنى يوضح الإرادة القطعية (على عكس يتمنى أو يأمل)، إسقاط: الخلاص منه وتغييره، النظام: أي المنظومة التي يحكم بها البلد، وليس الأشكال الرمزية منه مثل وزير أو رئيس وزراء أو حتى رئيس جمهورية. هو مطلب مختصر ولكنه واضح وشامل، ومن هناك تأتي عبقرية الشعار والمطلب. وبعده أيضا كانت الكلمة الشهيرة التي أجمعت عليها جماهير تونس والقاهرة وصنعاء وطرابلس ودمشق: «ارحل» أيضا كلمة واحدة اختزلت مطلبا واضحا وصريحا ومباشرا في حق الرئيس ونظامه، وهي حتما كلها «لغة» جديدة متأثرة بلغة الإعلام الجديد المختصرة جدا كما هو معروف لمستخدمي مواقع الـ«فيس بوك» و«تويتر» و«يوتيوب»، والتعب والقلق والإرهاق والتوتر الذي أصاب الناس من دراما عام 2011 يغطيه ويهون عليه الأمل في أن يكون عام 2012 عام الحصاد والتدبر والاستفادة مما حصل، وفهم واستيعاب دروسه وعبره الكبيرة والكثيرة.

عام 2012 ملامحه آخذة في التشكل ببطء، فأميركا ترمي بثقلها الأمني والسياسي والاقتصادي في اتجاه الشرق الأوسط، وتنسحب من الشرق الأوسط عسكريا، وتقلل اعتمادها الاقتصادي على نفطه أيضا، ومع أزمتها الاقتصادية لن يكون لديها الإقدام على التدخل عسكريا في المنطقة كما كان الأمر من قبل، وستدع الأمور تأخذ مجراها في كل بلد حسب الإشارات الصادرة منها. أوروبيا هناك وضوح أكبر للدور القيادي المتعاظم لألمانيا في القارة العجوز على حساب قوى أخرى مثل فرنسا المنهكة بالديون وبريطانيا التي اتخذت خطا سياسيا انعزاليا عن القارة وهموم ديونها. الشرق الأقصى، بقيادة الهند والصين مع عدم إغفال كوريا الجنوبية واليابان والنمور الآسيوية الأخرى، سيظل المحرك الاقتصادي الأهم للعام، ولكن لا يمكن إغفال الدور المتعاظم للمكسيك والبرازيل وتركيا وجنوب أفريقيا وروسيا الذي أصبح مهما في مجالات مختلفة، وباتت بعض هذه الدول أهم من دول اقتصادية عريقة مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا. والتقديرات الماضية تؤكد أن أزمة المناخ العالمية تتفاقم، وأن معدلات البراكين والزلازل والأعاصير والفيضانات والزوابع في ازدياد كبير جدا، وحجم الأضرار المادية والبشرية مرشح بالتالي لأن يزداد هو الآخر.

يتوقع بعض العلماء أيضا أن هذا التغير المناخي الحاد سيكون من نتائجه ظهور أوبئة وأمراض جديدة مثلما حدث مع فيروس الساس وجنون البقر وإنفلونزا الخنازير والحمى القلاعية وإنفلونزا الطيور والآيبولا. العالم سيحاول التركيز على «تجريم» الماء بشكل مؤسسي، ويعاقب الدول التي تتجاوز حصصها المنطقية في الاستهلاك، واعتبار ذلك «جريمة عالمية» كما يحصل مع التعدي على البيئة والهواء، وهي مسألة مرشحة أن تحتل أهم العناوين الحقوقية الجديدة العام القادم. هناك أكثر من منطقة ملتهبة حول العالم معرضة لأن تكون مسرحا للعنف والتوتر مثل كولومبيا والمكسيك وفنزويلا، وكذلك منطقة كردستان واليمن وأفغانستان وكوريا الشمالية، ومناطق الإثنيات المختلفة في الداخل الروسي والصيني، وهي قطعا فرصة لمروجي تجارة السلاح ومنافعه. هذه ليست محاولة تنجيم أو قراءة في الطالع السياسي، نترك هذه المسألة لماغي فرح وميشال الحايك، ولكنها محاولة فهم لبعض المؤشرات السياسية والاقتصادية المهمة، ومعرفة حراكها واتجاهها. ولكن يبدو أن دراما 2011 ستعقبها إثارة في 2012، فالزرع لا بد أن يتلوه حصاد. كل عام وأنتم بخير وبكرامة وأمان.

[email protected]