انتهاك حقوق الإنسان في مصر

TT

قامت قوات الأمن المصرية، يوم الخميس الماضي، باقتحام مقر منظمة «فريدوم هاوس» (بيت الحرية) في القاهرة والعديد من المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، وذلك خلال حملة شنها المجلس العسكري ضد منظمات المجتمع المدني. وجاءت هذه الهجمات مخيبة للآمال التي ولدت خلال هذا العام مع الثورة المصرية في ميدان التحرير. وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات تصحيحية، فسيكون لهذه الهجمات تأثير سلبي على استقرار مصر على المدى الطويل وكذلك على الآمال نحو مستقبل أكثر ديمقراطية.

كانت المظاهرات التي اندلعت في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) والتي نجحت في الإطاحة بحسني مبارك منحت الأمل للشعب المصري لأول مرة منذ عقود، حيث جاءت الثورة المصرية في أعقاب الحركة التي أطاحت بزين العابدين بن علي، الرئيس الذي حكم تونس منذ أمد بعيد، وقد تجلى من خلال هذه الثورة الإحباط المكبوت نتيجة لانتهاكات حقوق الإنسان المستمرة والانتخابات المزورة وعدم وجود فرصة اقتصادية حقيقية.

وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة في البلاد وحظي بمديح مبكر نظرا لاتباعه سياسة ضبط النفس نسبيا وسط مظاهرات هائلة في وسط القاهرة. رغم ذلك لم يمر وقت طويل حتى تورط بعض القادة العسكريين في مجموعة من الانتهاكات الحقوقية التي كانت شائعة إبان حكم مبارك، ومنها القمع الوحشي للمظاهرات، وإشعال التوترات الدينية بين المسلمين والمسيحيين، ومقاضاة منتقدي النظام أمام محاكمات عسكرية، والاعتداء على المتظاهرات، كما أجرى اختبارات مشينة لـ«كشف عذرية» المتظاهرات، كذلك أبقى على قانون الطوارئ الذي كان مبارك يستخدمه منذ ثلاثة عقود في الحفاظ على حكمه.

لقد اختطف الجيش الثورة المصرية، حيث يعد قمع النشطاء والمنظمات غير الحكومية، بما في ذلك المجموعات الأجنبية، من الخطوات الأساسية التي تتخذها الأنظمة الاستبدادية، وذلك كما أوضحت الأحداث في روسيا وفنزويلا وبيلاروسيا والصين. وكثيرا ما تقوم الحكومات التي تعرقل المنظمات غير الحكومية بفرض المزيد من القيود على وسائل الإعلام والأحزاب السياسية والسلطة القضائية. وهناك مخاوف تشير إلى أنه إذا ما لم يكن هناك رقيب على المجلس العسكري، فإنه سيمضي في هذا الاتجاه.

ويحاول المجلس العسكري التشبث بالسلطة في الوقت الذي يسعى فيه إلى تضمين بنود خاصة بسيادته السياسية في القانون. وقد تحولت المظاهرات في القاهرة إلى أعمال عنف خلال الشهر الماضي، حيث استخدم المجلس العسكري وقوات الأمن القوة المفرطة في قمع المتظاهرين.

وقد تزايد شعور المصريين الذين خرجوا إلى ميدان التحرير قبل أشهر بالغضب من المجلس العسكري، بينما سعى المجلس إلى البحث عن كبش فداء وادعى سعي أطراف أجنبية، ولا سيما المنظمات غير الحكومية التي تروج لمجتمع مدني وانتخابات حرة ونزيهة، إلى إشعال ثورة أخرى والتسبب في الفوضى. وكانت منظمة «بيت الحرية» من بين المنظمات المفضلة التي يوجه إليها مثل هذه الاتهامات السخيفة.

ويعد الهجوم على المنظمة وغيرها من منظمات المجتمع المدني، التي ذكرت وسائل الإعلام الرسمية أن عددها كان سبع عشرة، اعتداء غير مسبوق من قبل قوات الأمن المصرية على منظمات المجتمع المدني الدولية وشركائها في مصر. والجدير بالذكر أن بعض هذه المنظمات كشفت بعض انتهاكات السلطات المصرية، وأوضحت أنها لم تتعرض لا هي ولا شركاؤها لمثل هذه الهجمات حتى إبان حكم مبارك.

ويعد التوقيت أمرا جديرا بالإشارة إليه، حيث إنه من المقرر أن تجري مصر، بعد أيام قليلة، المرحلة الثالثة والنهائية لانتخابات مجلس الشعب. وخلال المرحلتين الأولى والثانية، حصل حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، والسلفيون الأكثر تطرفا، على ما يزيد على 60 في المائة من أصوات الناخبين. ومن المتوقع أن تؤدي عمليات المجلس العسكري ضد المتظاهرين والمنظمات غير الحكومية إلى إضعاف القوى الديمقراطية والليبرالية، وستضع المصريين أمام عملية اختيار غير مقبولة بين استمرار الحكم العسكري المستبد ودولة دينية.

وتوضح أعمال قادة المجلس العسكري أنهم لا يعتزمون السماح بإنشاء نظام ديمقراطي حقيقي، وأنهم عوضا عن ذلك، يحاولون استخدام منظمات المجتمع المدني ككبش فداء لإخفاء فشلهم في إدارة الفترة الانتقالية على نحو جيد. بعبارة أخرى، يعد هؤلاء القادة هم المسؤولين عن الظروف العصيبة التي تقود البلاد نحو التطرف وعدم الاستقرار، كما أنهم يعرقلون نظم المساءلة والشفافية التي حارب المجتمع المصري من أجل الوصول إليها والتي كانت سببا رئيسيا في إنهاء حكم مبارك.

إن منظمة «فريدوم هاوس» وغيرها من المنظمات المشابهة توجد في مصر كاستجابة لمطالب الشعب بالمساعدة في تعزيز دور المجتمع المدني وسيادة القانون والتبادل بين الشعوب. وينبغي أن يرد المجتمع الدولي، ولا سيما الولايات المتحدة، بقسوة على تلك الانتهاكات التي حدثت يوم الخميس، كما ينبغي أن تنتهي انتهاكات المجلس العسكري لحقوق الإنسان، وأن تتوقف معاملته البشعة لمنظمات المجتمع المدني على الفور. والجدير بالذكر أن واشنطن لا تزال تقدم للجيش المصري 1.3 مليار دولار سنويا لتمويل صفقات الأسلحة والتدريب، وينبغي أن تخبر إدارة أوباما المجلس العسكري صراحة بأنها ستوقف هذه المساعدات إذا لم يتوقف عن ارتكاب مثل هذه الانتهاكات. ولا ينبغي أن تقوم الولايات المتحدة بدعم الحكم الاستبدادي في مصر حتى إذا منع حكام مصر المنظمات غير الحكومية من إرساء الديمقراطية وتنفيذ مشاريع حقوق الإنسان التي يمولها دافعو الضرائب في الولايات المتحدة.

ويتعين على السلطات المصرية أن تعيد الممتلكات التي تمت مصادرتها، وأن تسمح بإعادة فتح جميع مكاتب المنظمات غير الحكومية التي أغلقت أثناء تلك الهجمات، كما يتعين عليها أن تسمح للمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية دون قيود بالقيام بعملها الذي يهدف إلى تعزيز احترام حقوق الإنسان ومساعدة الشعب المصري في إقامة نظام سياسي ديمقراطي أكثر عدلا وانفتاحا. وحتى يتم اتخاذ مثل هذه الخطوات، فإن الأمل الذي ولد في مصر عام 2011 سيتبدد بلا رجعة.

* رئيس منظمة «فريدوم هاوس»

* خدمة «واشنطن بوست»