إخوان وإخوان

TT

حركات الإخوان المسلمين والإسلاميين عموما تختلف حسب الزمان والمكان. فـ«إخوان مصر» في الخمسينات غير «إخوان مصر» اليوم. وسيكونون غير «إخوان مصر» بعد تسلمهم الحكم وجلوسهم على الكراسي. أما الاختلاف المكاني فربما يمكنني أن أقول إن «إخوان تونس» غير «إخوان مصر» و«إخوان مصر» غير «إخوان سوريا». يهتدي «إخوان مصر» بما كتبه سيد قطب، ولكن «إخوان سوريا» يهتدون بما كتبه غاندي. وغاندي المقصود هنا هو غير غاندي الهنود وإنما أقصد به «غاندي العرب». وهو كما يعرف السوريون الدكتور جودت سعيد الذي تأثر بأفكار المهاتما غاندي. وبوحي ذلك كتب كتابه الشهير «عقيدة الابن الأول لآدم: مشكلة العنف في العالم الإسلامي». وقد وضع فيه خارطة طريق لنضال المسلمين دون اللجوء إلى العنف، وهو ما سميته «الجهاد المدني». استوحى فيه أفكار المهاتما في نضاله من أجل استقلال الهند: المقاطعة، اللاتعاون، الإضرابات بشتى صورها، الصيام والاعتصام، وأخيرا العصيان المدني. لهذا سمى «الإخوان» السوريون جودت سعيد «غاندي العرب».

وكما نقلت الأنباء، خاض أبناء وبنات سوريا الحملة لإسقاط بشار الأسد في إطار هذه الأساليب واعتمدوا المظاهرات السلمية سلاحهم الأول والأخير. ولا عجب أن يعيدوا طبع كتاب «غاندي العرب» خمس مرات، وحفظه الكثيرون.

نحن نواجه هنا مفصلا مهما في أفكار هذا الكتاب. فإذا كان «غاندي العرب» قد تأثر بفلسفة غاندي الهند، فسنحصل على آيديولوجيا تعتمد على المحبة والأخوة ووحدة بني الإنسان والعفو عما سلف، في إطار «أحبب عدوك».

لماذا وصفت هذا المفصل بمفصل مهم؟ العالم برمته وليس العرب فقط، يتخوفون من الإخوان المسلمين. والمخاوف هنا عديدة. يأتي في المقدمة الخوف على الأقليات غير المسلمة وغير العربية. وهذا مفصل مهم بصورة خاصة بالنسبة لسوريا التي توجد فيها أقلية مسيحية كبيرة وأقلية أخرى كردية، وطبعا الأقلية العلوية التي أساءت التعامل مع الأكثرية السنية. هل ستكون هناك تصفية حسابات وعمليات ثأر وإساءات لحقوق الأقليات الأخرى؟ ينبغي أن يعطينا اعتماد الثورة السورية على الفلسفة الغاندية ما يكفي من الاطمئنان على مسيرتها وتداعياتها وتعاملها مع الآخرين. وفي ذلك ما ينبغي أن يحرك إخواننا الأكراد والمسيحيين وكل الليبراليين واليساريين إلى التضامن مع هذه الثورة، بل ودعم هذه المدرسة الجديدة من السلوك الإسلامي «الإخواني».

ولعمري، هذا مفصل مهم آخر يجعلنا نشدد على ضرورة نجاح وانتصار هذه الثورة. فأساليبها القائمة على الجهاد المدني ومحبة الإنسان للإنسان ستعطي درسا قيما لشعوبنا العربية تنقيها من الإرهاب والتخريب وسفك الدماء والمؤامرات العسكرية ومعاداة البشر والطائفية. أرجو أن تعي الحكومات العربية والأسرة الدولية عموما أهمية انتصار هذه الثورة لتوجيه المجتمع العربي والإسلامي وجهة جديدة، كريمة ونبيلة تصبح إكليلا يانعا يتوج جبين «الربيع العربي».