هم وهو

TT

الكتاب قديم (طبعة ثانية 1997) وناسه قدماء. كبار وقدماء. عن نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويحيى حقي، وهذا الصف المضيء من ذوي الأقلام. يروي المؤلف، صالح مرسي، الذي كان بحارا في الإسكندرية، كيف ترك البحر ملبيا نداء الأدب والكتابة في برّ القاهرة. وبعد قليل من وصوله، ليس معه سوى محاولات في القصة القصيرة، يلتقي يوسف إدريس ثم يتعرف على نجيب محفوظ في مكتب يحيى حقي في دائرة الفنون، وهو لا يصدق نفسه. يقول محفوظ ليحيى حقي: «مش عاوز آخذ من وقتك». فيجيب صاحب «قنديل أم هاشم»: «ما تقعد يا نجيب». ويخجل نجيب من نفسه!

أكثر ما لفت اهتمامي في «هم وأنا»، كم كان سهلا على البادئين، في عصر العمالقة، دخول باب هذه المهنة. أدخلني الزميل الأحب سليم نصار على سعيد فريحة، وبعد نصف ساعة كنت وراء مكتب في «دار الصياد».

ما هو حال البادئين اليوم؟ كيف يمكن أن تكتشف طاقاتهم ومواهبهم؟ كيف يمكن أن يلمعوا؟ قدَّم صالح مرسي إلى محمود أمين العالم قصة قصيرة وخرج، معتقدا أنه لن يقرأها قبل أن يرميها في سلة المهملات. وبعد قليل لحق به العالم على درج «روزاليوسف» وقال له: هايلة القصة دي. ثم نشرها في أول عدد.

كانت المؤسسات الصحافية مدارس مفتوحة، يتعلم فيها البادئون ويتدربون، وفوق ذلك يتلقون أجرا وراتبا. ويروي مرسي أن إحسان عبد القدوس، وريث «روزاليوسف»، كان يمرّ بالمحررين واحدا واحدا ويبحث معهم في شؤون العمل، ويصغي إلى ملاحظاتهم واقتراحاتهم. وفي تلك المرحلة كان كل ركن في «روزاليوسف» معلما ومدرسة: أحمد بهاء الدين كان رائد الصحافة الحديثة، مع أنه جاء المهنة بالصدفة من الحقوق. وإحسان كان صاحب مدرسة البساطة والمباشرة. ومحمود أمين العالم كان مدرسة تطعيم الصحافة بالفكر. وصلاح جاهين كان مدرسة الشعر العامي والكاريكاتير المؤلم.

لا أستطيع أن أحصي في تسرع، عدد الذين تعلمت منهم. وأتساءل ممن يتعلم الناشئون اليوم؟ من هم أصحاب المدارس الصحافية؟ من الذي يعطي إخراج الصفحة الأولى من وقته مثل علي ومصطفى أمين؟ من يعطي مانشيت الصفحة الأولى من حياته مثل سعيد فريحة؟ من يصحح سطور الافتتاحية عموديا وأفقيا حتى تصبح قراءتها أحجية، مثل غسان تويني؟

عادة جميع الناس في جميع البلدان أن يعودوا إلى القديم. ولكن من هو الصحافي المبتدئ الذي يمكن أن يلتقي اليوم نجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي وتوفيق الحكيم وأحمد حمروش ومحمود أمين العالم، ويصادف على الدرج إحسان عبد القدوس.