لم ولن نفهم!

TT

عام، ويا له من عام، انقضى، وجروحه مفتوحة، وما زالت الأدخنة تتصاعد من آثار زلزاله، اهتزت به أنظمة، كما اهتزت صور لم يكن أي إنسان يتخيل أنها ستهتز. ضاعت الهيبة، وارتجفت الأنظمة، سقط بعضها، وتهشمت أخرى، وهرب حاكم، وقُتل آخر، وسُجن الثالث، ووقَّع الرابع على التنازل عن الحكم، وبقي الخامس يصارع قدره المحتوم!

عام مذهل، ولمن هم بمهنتنا هو عام بأعوام، لكن المحير، والمحزن، أن كثرا بيننا، من وسائل الإعلام، وبعض الصحافيين، كبارا وصغارا، وحتى بعض المثقفين، ومنهم أكاديميون، للأسف، لم يطرحوا بعدُ السؤال المهم، والسؤال القاعدة، وهو: ما الذي حدث؟ أو لماذا حدث ما حدث؟ أو كما هو السؤال الأصلي باللغة الإنجليزية: «وَت وينت رُونق»؟ أي أين حدث الخطأ؟ سؤال لم يُطرح منذ استقلال بعض الدول العربية، ولم يُطرح بعد مرحلة انقلابات العسكر، ولم يُطرح على الرغم من كل الحروب التي ابتليت بها منطقتنا، ولم يُطرح يوم فشلت عملية السلام، ولم يُطرح بعد أن تغلغلت الجماعات الإسلامية بمجتمعاتنا، فثورتها على كل شيء، ومن أجل لا شيء، إلا الحكم، حتى خرجت بيننا «القاعدة»، وكان لها مريدون، ومتعاطفون، وهاهو اليوم عام مزلزل يمر علينا هز قرابة خمسة أنظمة، ولم يطرح أحدهم السؤال الجاد، لا في التلفاز، ولا من خلال الكتب، أو حتى المقالات المحترمة، والمعمقة، وإن فعل البعض فهم قلة، وبحكم النادر!

والحقيقة أن غياب طرح هذا السؤال الجاد يعود إلى عدة أسباب مهمة، وربما هناك غيرها. فمن قادة الرأي العرب مَن فقد صوابه، وتجاهل علمه، وتجاربه، بل وتجارب الشعوب، ونافق الشارع، بعمد أو من دون، والأمثلة كثيرة في كل مكان، من السعودية حتى مصر، ومن اليمن إلى سوريا، ومن المغرب إلى العالم العربي كله؛ فعام 2011 كان حفلة جنون، وانزلاق، لكثر ممن يفترض أنهم قادة للرأي العام العربي، وبكافة المجالات، وأبسط مثال من صدقوا كذبة «تويتر»، فكيف لباحث جاد، مثلا، أن يطرح سؤالا مهما من نوعية: ما الذي حدث، في «تويتر»، حيث العدد المحدود للحروف، أو الكلمات؟ أمر لا يمكن أخذه بمحمل الجد، إطلاقا.

والسبب الآخر لغياب ذاك السؤال المهم، ما الذي حدث خطأ؟ أن ثقافتنا، وتعليمنا، وإعلامنا، لم توطن بالرأي العام مفهوم المحاسبة، الثقافية والعلمية، وإلا كيف نفسر حفلة الجنون التي ضربت جزءا كبيرا من مثقفينا وصحافيينا؟ فجل النقاشات التي تدور حول الربيع العربي، أو الزلزال العربي، نقاشات سطحية، وعقيمة، واجترار لنفس أساليب النقاش القديمة بالعالم العربي، منذ الخمسينات، وأكثر، وحتى المفاهيم البالية التي أصيبت بها ثقافتنا.

لذا، وما دام العرب، وتحديدا مثقفوهم، لم يطرحوا بعدُ السؤال الجاد: ما الذي حدث خطأ في العالم العربي؟ فإن عام 2011 انتهى وهو يقول لنا إنه لا أحد تعلم، أو اعتبر، مما حدث، وهذا ما قالته لنا أعوام كثيرة مرت بمنطقتنا، ومنذ قرابة العقود الخمسة.. وعليه فإن خلاصة 2011 هي أننا لم نفهم، ولا أعتقد أننا سنفهم، للأسف!

[email protected]