الجوع لا ينتظر!

TT

إن التأمل ونحن نستقبل عاما جديدا بما تحقق من نجاح وفشل خلال الأشهر الاثني عشر الأخيرة، يكتسب أهمية خاصة عندي. فقد شكل شهر يونيو (حزيران) الماضي نقطة تحول بالنسبة لي شخصيا حين تم انتخابي مديرا عاما لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة. وعندما أتولى مهام عملي في الأول من يناير (كانون الثاني) فإن وظيفتي الجديدة ستجعل من ذلك التاريخ نقطة تحول أخرى جديدة في تغيير المسار في محاربة الجوع.

وفي يومنا الحاضر لا يزال نحو مليار إنسان يعاني من نقص التغذية، وأن العديد من البلدان لا تزال بعيدة عن تحقيق أول هدف من الأهداف الإنمائية للألفية، أي خفض عدد الذين يعيشون الجوع والفقر المدقع إلى النصف بحلول عام 2015.

إعطاء دفعة متجددة ستكون على رأس أولوياتي عام 2012، لتحقيق ذلك الهدف، ولكن أيضا مع النظر إلى أبعد من ذلك حتى يتم استئصال الجوع تماما وبصورة نهائية عن كوكب الأرض. ومن الواضح أن مثل هذا الأمر ليس بمقدور منظمة الأغذية والزراعة أن تفعله بمفردها، مما يستدعي إجراء حشد دولي جديد ودعم من صُناع القرار حيثما كانوا، وبذل جهود متناسقة من جانب الأسرة الدولية بأكملها والشركاء الآخرين في عملية التنمية.

إنني أخطط على الفور للشروع بسلسلة من المشاورات مع 20 إلى 30 بلدا من أشد البلدان فقرا لمساعدتها على تعبئة الموارد المطلوبة للانطلاق باستراتيجياتها الخاصة بها والشاملة للأمن الغذائي.

الإجابات الجاهزة غير متاحة، ثم إن البلدان ليست بحاجة إلى الانطلاق من نقطة الصفر. ففي منظمة الأغذية والزراعة وأطراف متفرقة من العالم النامي تتوفر ثروة من الخبرات الدولية التي تمكن تلك البلدان من أن تنهل منها لكي تجد الإجابات لحل مشاكلها.

إن منظمة الأغذية والزراعة وبما يتوفر لديها من موارد مالية وبشرية، مستعدة وعلى أحسن وجه، ومن خلال عملها جنبا إلى جنب مع شركاء آخرين، لمساعدة هذه البلدان على صياغة خطط قابلة للتطبيق وإيجاد الموارد لتمويل تلك الخطط.

ومن بين التحديات القائمة استغلال المعارف والخبرات. فمنظمة الأغذية والزراعة قد طورت وما زالت تطور مجالات كثيرة، مثل الزراعة المستدامة وتعزيز دور المرأة.

وفي عام 2011 أطلقت منظمة الأغذية والزراعة ما نسميه الثورة الخضراء في الزراعة، والتي يمكن أن تسهم في زيادة الإنتاج، دون أن يتسبب ذلك بأضرار بيئية، بما في ذلك النضوب الهائل للموارد الطبيعية الناجم عن الأساليب الزراعية الحالية، وهذا ما نسميه بعملية «الإنقاذ والتنمية».

إن هذا النموذج الجديد من شأنه أن يحافظ على الموارد الطبيعية ويعززها، وذلك بالاعتماد على ما تسهم به الطبيعة في نمو المحاصيل، من المواد العضوية لتنظيم تدفق المياه. وفي الإمكان تكييف هذا النموذج مع ظروف وأماكن محددة أيضا. فقد أدت التجارب الميدانية في 57 بلدا من بلدان الدخل المنخفض إلى تحقيق زيادة في الغلة تصل إلى 80 في المائة بالمتوسط. وسنعمل على مساعدة البلدان النامية بصورة تدريجية لكي تعتمد هذا النموذج في غضون السنوات الخمس عشرة المقبلة.

وبإمكان هذا النموذج أن يلعب دورا مهما في مساعدة البلدان التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي على تحقيق مزيد من النمو الاقتصادي المستدام. وستكون هذه المسألة تحت الأضواء في مؤتمر القمة للأمم المتحدة بشأن التنمية المستدامة (ريو بعد 20 عاما) في الصيف المقبل. وستكون التغيرات المناخية والأمن الغذائي مسألتين متقاربتين في جدول أعمال القمة المرتقبة، سيما وأنهما تتطلبان تحولات مهمة نحو تحقيق إنتاج وأنماط استهلاكية أكثر استدامة. فالفرصة أمامنا متاحة لاستكشاف مجالات التعاون الممكنة.

وجنبا إلى جنب مع منظمة الأمم المتحدة المعنية بالمرأة والعديد من الشركاء الآخرين فإن منظمة الأغذية والزراعة تدعو إلى تعزيز دور المرأة في قطاع الزراعة.

وفي الوقت الحاضر مثلا، تُعد عائدات الأراضي التي تديرها النساء أقل نسبة من تلك التي يديرها الرجال، ليس لأن النساء أدنى قدرة من الرجال، وإنما لأنهن ببساطة لا يملكن الفرص من أجل الحصول على ذات الموارد كالأراضي والتقنيات والمدخلات. إن تأمين مشاركة المرأة بشكل تام في جهودنا للقضاء على الجوع، من شأنه أن يخلق وضعا جديدا حاسما.

ولغرض الشروع ببداية جديدة في مكافحة الجوع، يتعين علينا أن نبحث عن حلول جديدة ومتجددة، حيث إن ضخ الموارد في اقتصاديات الأرياف عن طريق برامج تحويل المبالغ النقدية والحوافز الإنتاجية على سبيل المثال، من شأنه أن يخلق آثارا إيجابية لتحفيز النمو محليا، مما سيولد فرص عمل ومداخيل، فضلا عن إيجاد أسواق لصغار المزارعين، وبالتالي زيادة الإمدادات من الأغذية الطازجة والسليمة والمغذية.

فالطريق أمامنا طويل، غير أن الوقت يجب أن يكون متجددا للبحث عن إجابات جديدة. وعلى الرغم من أن مهامنا ستكون أكثر مشقة بسبب عدم وضوح الرؤية الاقتصادية، فإنني مقتنع بأن خطوة جديدة ومساعي متجددة وثمة إجراءات لتعزيز حوكمة الأمن الغذائي، من شأنها أن تمكننا من بناء الزخم اللازم نحو الاستئصال التام للجوع.

* المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة.