حساب الربيع العربي

TT

حدث ما كنت أتوقعه من تحول الربيع العربي إلى خريف، بل وشتاء عربي. وهذا توقع بسيط وبديهي، فكل الثورات تنتهي بنكسات على المدى القصير. ثمن الربيع العربي كبير من الناحية الاقتصادية. ولا بد أن صب الكثير من الكسبة، ولا سيما من يعتمدون على السياحة، اللعنات على من قام بها. ومس الضرر أيضا حتى الشركات الأجنبية. أشرفت «توماس كوك»، التي تعتمد على السياحة للبلاد العربية، على الإفلاس. وكل ذلك دون أن نحسب من قتلوا أو أصيبوا، وأكثرهم من المتعلمين.

هذا هو حساب الخسارة. ماذا عن حساب الربحية؟ فالانتفاضة مشروع وكل مشروع، حتى ولو كان دكان عطارة، يبدأ بفترة من الخسارة حتى ينطلق تدريجيا للربح. السؤال، هل سيكون هناك أي ربح، وما مقداره؟

لدينا أربعة عناصر من الربح. أولا أدركت الشعوب أن بإمكانها إسقاط النظام الظالم بأساليب الجهاد المدني دون الحاجة للسلاح أو النضال المسلح. الخطر هنا هو أن يبادر الشباب لاستعمال هذا السلاح الطيع بصورة فجة وفي أي مناسبة حتى ولو كانت خسران مباراة رياضية. فيعطلون أعمال الناس وحركة المرور ويسببون أضرارا اقتصادية بليغة لسبب تافه.

المكسب الثاني هو أن الدول الكبرى أدركت أن أسلوبها القديم في الاعتماد على أنظمة ديكتاتورية وحكام فاسدين والحصول على ما تريد بالرشوة والعمولات لم يعد صالحا أو مقبولا من الرأي العام العالمي والمحلي. أدركت أن بإمكان الشعوب الآن إسقاط مثل هذه الأنظمة بسهولة وبالتالي نسف كل مخططاتها ومشاريعها. الاستقرار مهم لها مثلما هو مهم للشعوب النامية. من ضمن ذلك، أدركت أن الديمقراطية أضمن لها وأسهل، فالديمقراطية تعتمد على الشرعية واحترام القانون واستقلال القضاء والشفافية ومصداقية المعلومات وتيسير الاتصالات بحرية كافية. هذا هو الجو الصالح للشركات الكبرى. وهكذا بنى الغرب ثرواته، فلم لا يسعى لغرس ذلك في الشعوب التي يتعاملون معها؟

المكسب الثالث، هو أن الحكام أيضا أدركوا أنه لم يعد بإمكانهم الاعتماد على الدعم الغربي. ألم تتخل أميركا عن الشاه وعن مبارك، وبريطانيا عن نوري السعيد والقذافي بكل سهولة؟ أدركوا أيضا أن بإمكان الشعب استعمال هذا السلاح الجديد الفعال، الجهاد المدني، لإسقاطهم. كشف لهم الربيع العربي كذلك، عن أن البنوك والمؤسسات المالية العالمية فقدت الآن سريتها. أصبح بالإمكان كشف تفاصيل كل ودائعهم وسرقاتهم ورشاهم وممتلكاتهم. هناك الآن شتى المنظمات الإنسانية التي جعلت مهمتها الكشف عن هذه التجاوزات والسرقات.

المكسب الرابع هو التوصل إلى تسخير التكنولوجيا الحديثة، وأخص بالذكر منها الإنترنت والهاتف الجوال في مقارعة الأنظمة القائمة، أولا في الكشف عن جرائمها وتجاوزاتها، وثانيا في الحث على الانتفاض ضدها، وثالثا في تنظيم وقيادة الانتفاضة.

لقد ضيق الربيع العربي الخناق على الحكام. لم يعد لهم ما يضمن سلامتهم وكرامتهم غير الإصغاء لشعوبهم واتقاء غضبهم وإصلاح شؤونهم وحكمهم بالعدل والإخلاص. وهذا أكبر مكسب يعطي شعوبنا مستقبلا أفضل على المدى البعيد.