لا شيء يهم!

TT

أذكر أن أول من شتمني كان سائق سيارة مياه غازية في حي الزمالك رفض أن يحرك سيارته الديناصورية من الشارع الضيق الذي أريد الخروج منه بسيارتي.

كان عمري يومها 21 عاما، كنت في ريعان الشباب والفتوة، لذلك انتهت هذه المعركة بإصابة السائق وتحطم الصناديق وإغلاق الشارع لساعات!!

كان طبعي ناريا وكانت أعصابي ملتهبة وكان ترمومتر الكرامة الشخصية قابلا للاشتعال في ثوان معدودات.

الآن، أنا، بلا فخر، صاحب جلد سميك مثل جلد الفيل لا تخترقه أي سهام للسباب أو الشتائم! مواطن بلا رد فعل!

أصبحت مدربا وخبيرا إلى درجة التبلد!

يتلقى الإنسان مثلي الانتقادات والشتائم والطعنات والأخبار المزورة أو التصريحات المحوّرة بابتسامة بلهاء تطبيقا لشعار رواية الأستاذ العظيم إحسان عبد القدوس «لا شيء يهم».

وأصبحت لا أرد على «الفيس بوك» أو مساجلات «التويتر»، ليس ترفعا أو عدم اكتراث، ولكن لأنني توصلت إلى حقيقة مؤلمة، وهي أن من يختلف معك بشكل صحي هو من يسعى من خلالك إلى معرفة الحقيقة، فكما يقال: بالأضداد تعرف الأشياء.

أما من يقوم بالسباب والشتائم فهو في حقيقة الأمر يسعى للحط من شأن الآخرين حتى يبدو أفضل منهم.

من حق كل إنسان أن يسعى إلى أن يكون الأفضل في كل شيء وأي شيء، ويمكن الوصول إلى تلك الأفضلية من خلال العلم والعمل والاجتهاد والتنافس المشروع.

أما حزب الفشل، فإنه اختار الطريق الأسهل للصعود، وهو بدلا من أكون الأفضل بالعمل أدمر الآخرين بالشتائم!

إن حالة الفكر العربي الآن تعيش حالة الاغتيال المعنوي للشخصية!

لا أحد يناقش فكرتك، ولكن يسعى لتدمير سيرتك!

يا سيدي ناقش فكرتي بصرف النظر عن شخصي الضعيف، أرجوك اختلف «معي» بدلا من أن تختلف «على» شخصي.

كم سياسيا في عالمنا العربي وصف بأنه عميل أو فاسد، متآمر؟

كم مسؤولا في عالمنا العربي كتبت عنه قصص مختلقة ونسبت إليه تصريحات لم يقلها وأفعال لم يكن طرفا فيها؟

إن حالات الاغتيال المعنوي هذه هي من السوء إلى حد أن الدول التي تعيش تحت مظلة «حكم القانون» تجرمها وتضع أحكاما رادعة وقاسية ضد من يخالفها.

أما نحن نطبق مبدأ عظيما هو: «كله يشتم كله»!