أين يجب أن تضع أموالك هذه الأيام؟

TT

أين يجب أن تضع أموالك الآن؟ في الواقع، يعد هذا سؤالا صعبا للغاية، حيث تتوقف الإجابة، بالطبع، على حالة كل شخص: الحالة المادية، والأهداف، والقدرة على المخاطرة، والأفق الزمني والقدرة على الصمود، وهذه كلها أشياء لا يمكن لأحد غيرك أن يعرفها. وقد ازدادت صعوبة الإجابة عن هذا السؤال خلال العام الحالي، وذلك لأن العالم المالي قد أصبح غير مستقر بشكل أكثر مما كان عليه في عامي 2008 و2009، عندما كانت الأسواق الأميركية تتهاوى، وسط حالة من الذعر الشديد. وعندئذ، كانت الولايات المتحدة وحدها هي من تعاني، ولكن الآن امتدت الأزمة لتعصف بدول كبرى في منطقة اليورو، وحتى اليابان تعاني من مشكلات خطيرة على المدى الطويل، ربما تكون أسوأ من تلك التي نعاني منها. وحتى الصين ليست ببعيدة عن تلك الأزمات - من يدري ما يجري هناك حقا، وما مدى مصداقية الإحصاءات التي تصدر عنها والتقارير المالية للشركات؟

ولا تسير الأمور في الولايات المتحدة بشكل رائع، حتى وإن كان هناك بعض الأوقات الجيدة من حين لآخر. وثمة حالة كبيرة من عدم اليقين هنا، ودائما ما تكون النصيحة المثالية في تلك الأوقات هي أن تسعى لحماية نفسك ضد التضخم والانخفاض شبه المؤكد في قيمة الدولار في المستقبل. وتعد السندات، ولا سيما سندات الخزانة، شكلا من الأشكال التقليدية للاستثمار «الآمن»، وهناك ملاذ آخر يتمثل في الأسهم الأجنبية أو صناديق الاستثمار الأجنبية، علاوة على العملات الأجنبية - لمزيد من الخيارات الأكثر تطورا والأكثر عرضة للمغامرة - ثم هناك السلع و«الأصول الثابتة» مثل الذهب والفضة والنحاس والنفط والماس والتي من المفترض أن تحتفظ بقيمتها في حالة استمرار تراجع الدولار وارتفاع معدلات التضخم.

وفي الحقيقة، حتى هذه الخيارات - السندات والأسهم والعملات الأجنبية والسلع - لا تتمتع بالأمان الكافي في الوقت الراهن، ولكن يجب أن لا يتسرب اليأس إلى نفوسنا. ولدي استراتيجية ربما تكون مفيدة، واعتمد عليها شخصيا، وسوف أتطرق إليها بعد وقت قصير.

ولكي يكون هناك مثال حي على جنون ووحشية عالم الاستثمار اليوم، سوف نلقي نظرة على سوق الأسهم في الولايات المتحدة (على افتراض أن لديك رغبة قوية في تحمل التقلبات)، حيث انخفض مؤشر ستاندرد أند بورز 500 بنحو 5 في المائة خلال أربعة أيام تداول في أسبوع عيد الشكر، والتي عادة ما تكون فترة عطلة هادئة، ثم ارتفع المؤشر في الأسبوع التالي بنسبة 7.4 في المائة، ثم ارتفع بصورة كبيرة، وسرعان ما انخفض مرة أخرى، ثم كان على وشك العودة إلى الانخفاض الحاد الذي كان في مطلع العام.

وقد تشير الأخبار في أحد الأيام إلى أن كارثة كبيرة تلوح في الأفق في أوروبا - مشكلات كبيرة لليورو والعديد من المصارف الأوروبية، مع وجود تداعيات مؤلمة على الاقتصاد الأميركي، وتدخل الأسواق في حالة من اللاوعي وتسود حالة من الذعر الشديد. وسرعان ما ترتفع الأسواق في اليوم التالي، ولا أحد يعرف ماذا يحدث في اليوم الذي أو الأسبوع الذي يليه، من يدري؟

وعلاوة على ذلك، من المستحيل أن تتنبأ بحالة الاقتصاد الأميركي، ولا سيما سوق العمل، حيث تحقق الشركات الأميركية الكبرى أرباحا قياسية ومستويات قياسية من السيولة، ولكنها لا تقوم بما يكفي لحل مشكلة التوظيف هنا. وينقلنا هذا إلى واشنطن. لقد كنا نتمنى وجود حكومة مكونة من طرفين غير متطابقي الرؤى أو حكومة منقسمة إن جاز التعبير - حتى تستطيع أن توقف السياسيين في عاصمتنا عن التطرف والغلو في اتخاذ القرارات، سواء بخفض أو زيادة الضرائب ومستويات التنظيم - ولكننا لم نكن نريد قط أن تكون الأمور منقسمة بهذا الشكل. في الواقع، ليس لدينا حكومة منقسمة، ولكن لدينا حكومة مختلة، ولا يمكننا تحمل ذلك في وقت من الأوقات.

وفي ضوء كل تلك الأشياء السيئة، يكون السؤال هو: كيف يمكن اختيار الاستثمار الذي يناسبك؟ وأعتقد أن الإجابة هي بذل أفضل ما لديك لانتقاء الاستثمارات التي تصب في صالحك - مقابل الاستثمارات التي تحظى بشعبية كبيرة وكان عليها سباق كبير بالفعل.

وقبل ثلاث سنوات، قلت في دليل الاستثمار لمجلة «فورتشن» لعام 2009 إن شراء سوق الأسهم الأميركي كان فكرة جيدة للغاية بالنسبة لشخص لديه قدرة على الصمود ماليا وأفق زمني يتراوح بين خمس وسبع سنوات. وقلت إن هذه بمثابة دعوة سهلة - على الرغم من أنه لم يكن من السهل تجميع الشجاعة اللازمة للقيام بذلك، وبالنظر إلى الكآبة والإخفاق اللذين كانا يسودان المشهد في ذلك الوقت. وكان مؤشر «ستاندرد أند بورز» قد وصل إلى 870 عندما كنت كتب هذا في الدليل الاستثماري، ثم انخفض إلى 673 في شهر مارس (آذار) 2009، ثم تضاعف تقريبا منذ ذلك الحين.

لكن لأن سوق الأسهم الأميركية الواسعة أعلى بكثير مما كانت عليه قبل ثلاث سنوات، لذا فهي أكثر خطورة. ومن ثم فقد اعتبرتها أمرا حتميا. والآن من يدري؟ لكن، قبل أن أخبركم عما قد تفعلونه بأموالكم اسمحوا لي أن أخبركم، عما أعتقد بأن عليكم الابتعاد عنه (ما لم تكونوا خبراء، وهي الحالة التي يفترض أنكم لست فيها بحاجة فيها إلى النصح). أهي صناديق الخزانة؟ دعك منها، ما لم تكن قد حبست أموالك لسنوات بفائدة منخفضة بشكل مضحك ومستعد لتحمل خسائر كبيرة. فمعدلات الفائدة طويلة الأجل منخفضة بشكل مصطنع لأن البنك الاحتياطي الفيدرالي يشتري أطنانا من الأوراق المالية طويلة الأجل لخفض معدلات الفائدة وتدفق رأس المال الباحث عن الأمن في سندات الخزينة، أيضا. ولكن يوما ما سيخفض الاحتياطي الفيدرالي من شراء الأوراق المالية، وسيغادر رأس المال الهارب، وسترتفع معدلات الفائدة.

ودعني أعطك مثالا صغيرا على ما يمكن أن يفعله ارتفاع متواضع في معدلات الفائدة، فلنفترض أنك تمتلك في الوقت الحالي سندات خزانة أجل 30 عاما بفائدة تبلغ 3 في المائة. إذا ارتفعت الفائدة إلى 4 في المائة بعد عام من الآن فإن القيمة السوقية لأسهمك ستنخفض بنسبة 17 نقطة - ما يقرب من ست سنوات من الفائدة. ومن ثم ينبغي أن تنخفض النسبة إلى 2.2 في المائة بالنسبة لقيمة سنداتك كي ترتفع 17 نقطة، وما هي احتمالات حدوث ذلك؟

خلال عدد العام الماضي من دليل المستثمر الذي تصدره مجلة «فورشن»، قال شون تولي، زميلي، نفس ما أقوله الآن. وأنا أتفق معه كلية. لكن بسبب المشتريات التي ذكرناها آنفا، انخفضت العائدات على سندات الخزانة طويلة الأجل منذ ذلك الحين، وارتفعت قيمتها السوقية. والحقيقة أنه خلال الاثني عشر شهرا الماضية والتي انتهت في نوفمبر (تشرين الثاني) كانت سندات الخزانة فئة الأصول الأفضل أداء بين 48 فئة قام بدراستها آرنسون جونسون أورتيز، المدير المالي في فيلادلفيا. وقد حقق مؤشر باركليز لسندات الخزانة طويلة الأجل عائدا ضخما وصل إلى 21.3 في المائة، وهو ما يبلغ إلى ثلاثة عائدات سوق الأسهم التي بلغت 7.1 في المائة. لكن استمرار العائدات فوق 20 في المائة، ينبغي أن تنخفض معدلات الفائدة على سندات الخزانة طويلة الأجل إلى قريب من الصفر خلال سنوات قلائل، وهو أمر غير متوقع.

وقد أسفرت محاولات الاحتياط الفيدرالي بفرض خفض معدلات الفائدة على إحياء الإسكان والاقتصاد بشكل عام عن بعض النتائج الثانوية غير الجيدة، والتي تمثلت في تجريد المدخرين من ممتلكاتهم، مثل المتقاعدين الذين استكملوا شيكات ضمانهم الاجتماعي بدخل من مقايضة مخاطر الائتمان والأوراق المالية قصيرة الأجل. لكن التطلع إلى الحصول على دخل أعلى من خلال شراء الأوراق المالية بمستويات فائدة أعلى خطر إلى حد بعيد.

وكيف هو الأمر بالنسبة للبورصات والعملات هل ترغب في التعامل مع عدم استقرار اليورو؟ هل حاولت أن تكون على اطلاع بما يجري في أوروبا؟ أو البنك المركزي الأوروبي؟ حظا سعيدا - أنت أكثر شجاعة مني إذن. فقد كان جون كورزاين شجاعا حقا في «إم إف غلوبال»، التي لم تؤد عملها كما ينبغي.

وماذا عن السلع - حسنا، عندما ترى الذهب يسوّق في كل مكان، ستكون اللعبة قد انتهت إلى حد بعيد. فلو كان لديك آلة الزمن واستطعت شراء السلع بالسعر الذي كانت عليه قبل ثلاث سنوات، لكان ذلك استثمارا رائعا، لكن بأسعار اليوم، لا أعتقد أن ذلك مجدي إلى حد بعيد.

والآن وقد أخبرتك بما لا ينبغي عليك القيام به، ما هي فكرتي للاستثمار؟ إنها فكرة بسيطة. وقد لا تستهوي على الإطلاق البعض منا ممن تمتعوا بأيام المديرين الماليين النجوم وسوق أميركية تدر عائدا يصل إلى 20 في المائة في الفترة من أغسطس (آب) 1982 وحتى مارس (آذار) 2000.

وبعد ارتكاب حماقة العام الماضي بوضع أموال في صندوق تبادلي كان يحظى بإقبال كبير في السابق، أشعر الآن بالملل. لذا أشتري أسهما مالية في شركات أميركية دولية (في ابتعاد تام عن المصارف) والتي تدفع فوائد على الأسهم. البعض منها شركات متعددة الجنسيات والتي تطلعني على الاقتصادات الخارجية النامية بشكل سريع والتحوط من المخاطرة بدولاراتي، (لكني لن أرشح لكم أسماء) أنا أبحث عن الكيانات الدولية، لا تلك التي تدار من الولايات المتحدة. وقد كان سعي لشراء محافظ مالية في كيانات فردية، والذي تسبب في بعض الخسائر المالية البسيطة حتى الآن، ملائما بالنسبة لي لأنني سأستطيع تحمل المجازفة. وينبغي عليك أن تقرر ما إذا كانت ملائمة بالنسبة لك.

هذا ليس نهجا جديدا بالضبط، الحقيقة أنه أصبح أمرا مبتذلا بين المتخصصين، لكن أتعلم؟ مجرد كون شيء ما مبتذلا، لا يعني أنه فكرة سيئة.

* كبير محرري مجلة «فورتشن» الاقتصادية الدولية

* خدمة «واشنطن بوست»