هل ستتفوق الصين على الولايات المتحدة في البحث العلمي؟

TT

قبل ثلاثة أشهر من الهجوم الياباني على بيرل هاربور في أربعينات العقد الماضي، بدأ أنغوس إكولز، العضو في اللجنة التنفيذية لشركة «دو بونت»، في وضع خطط للشركة الكيميائية العملاقة للنمو في العقد القادم. حيث سرعان ما ستصبح الولايات المتحدة على شفا حرب، وهي الحرب العالمية الثانية. هكذا شرح إكولز في سلسلة من المذكرات والمناقشات رفيعة المستوى حول استراتيجية «دوبونت» التي جعلت منها شركة عملاقة. فكرت الشركة فيما ستفعله بعد الحرب العالمية الثانية. وعلى حد قول إكولز في شرحه فكرت الشركة أن النساء سترغب في شراء جوارب رخيصة. والسؤال هو كيف فكرت «دو بونت» في هذه المسألة الحساسة؟

وجد إكولز طريقه. في الوقت الذي زودت فيه «دوبونت» الجيش الأميركي بالنايلون (إلى جانب العديد من الأشياء الأخرى) لتصنيع المظلات والإطارات، درس قسم الأبحاث في الشركة كيفية يمكن تصنيع الجوارب بأرخص الخامات وقام بعمل أدى في النهاية إلى أورلون وليكرا. وبعد ثمانية أيام من الاستسلام الياباني، أعلنت شركة «دو بونت» أنها ستحول إنتاج النايلون من المواد الحربية إلى الملابس الداخلية النسائية. لم يكن فقط لدى الخبراء وظائف ثابتة ليعودوا إليها، وإنما هيمنت الشركة أيضا على صناعة الألياف الاصطناعية والمواد البلاستيكية المزدهرة لعقود قادمة.

ربما تبدو صورة آلاف الباحثين الصناعيين المرتدين معاطف معمل بيضاء ونظارات سوداء سميكة عتيقة، في معامل البحث والتطوير التي تجريها الشركات أكثر أهمية لاقتصادنا الآن من أي وقت مضى. وبينما اعتادت الشركة أن تكون قادرة على ابتكار منتج جديد - جوارب النايلون، على سبيل المثال - وتكريس عقد بأكمله لتحقيق الأموال من هذا العمل، فإن لمنتجات اليوم عمر تخزيني أقصر. ظهر هاتف «ويسترن إليكتريك 500» - الهاتف صندوقي الشكل ذو الوجه المائل للقرص أو، لاحقا، لوحة اللمس - في عام 1949، وظل واحدا من أشهر الموديلات شيوعا خلال الثمانينات من القرن العشرين. والآن، يتحول هاتف مثل «موتورولا رازر» أو الجيل الأول من «آي فون» من جهاز مرغوب فيه إلى أثر عديم القيمة (إلى أحد الكماليات الأنيقة العصرية) في خلال عام أو عامين. لقد زرت مؤخرا مزادا، حيث كان مندوبو المبيعات يعرضون بضائع ذات سمات رائعة - نوافذ سهلة التنظيف وحاملات أكواب خشبية مزخرفة - على طراز العام الجديد.

في هذه الأيام، أصبحت جميع الشركات الأميركية الناجحة تعتمد على الابتكارات.

وكمستهلكين، لا نهتم بما إذا كان قد تم ابتكار منتجاتنا في الولايات المتحدة أو في أية دولة أخرى. ولكن كقوة عمل، يجب أن نهتم بذلك. وفيما كتب الكثير عن سرقة المصانع الصينية للوظائف أميركية في قطاع التصنيع وتدمير شركاتنا ومؤسساتنا. ترى الشركات الأميركية أن بإمكانها الدخول في منافسة مع قطاع التصنيع منخفض التكاليف في الصين عن طريق الاستمرار في تطوير منتجات جديدة بشكل دائم. وقد أجدت تلك الاستراتيجية نفعا للشركات الأميركية، إلا أنها لم تفد في خلق وظائف في قطاع التصنيع الأميركي، لأنها تحقق هوامش أضخم بكثير للشركات من خلال امتلاك حق الملكية الفكرية لمنتج جديد رائج، مقارنة بالأرباح المتحققة من إنتاج كمية ضخمة من المكونات الرخيصة. ورغم أن هذه الاستراتيجية تخلق هوامش أعلى في الرواتب الأعلى التي يحصل عليها الأميركيون، فإنها لا توفر وظائف كافية.

وكنتيجة لذلك، ما زالت الولايات المتحدة تهيمن على عالم البحث والتطوير، مثلما كانت لأكثر من قرن من الزمان. وتنفق الدولة الولايات المتحدة قرابة ضعف ميزانيات البحث والتطوير لليابان وألمانيا معا. غير أن تحول الصين منذ عقد من كيان غير فاعل في مجال البحث والتطوير إلى ثاني أكبر منفق في العالم يشكل تهديدا خطيرا. وتتوقع دراسة أجراها مؤخرا معهد «باتيل ميموريال»، وهي شركة أبحاث، أن يتوافق حجم نفقات الصين مع حجم نفقاتنا بحلول عام 2022. وفي مجال الأبحاث.

إن لدى الصين بالفعل خططا للتركيز على أفكار مثيرة ولكنها غامضة في الوقت نفسه - مثل الطاقة الخضراء والبيوتكنولوجي والنانو تكنولجي - والتي من المرجح أن تتحول إلى منتجات في العشرينات من القرن الحادي والعشرين. وإذا لم يكن كل من المعامل الحكومية وأقسام الجامعات وباحثو الشركات في الولايات المتحدة بالفعل على رأس الجيل التالي من الإنجازات، فمن المتوقع أن تتراجع الولايات المتحدة خلال 10 سنوات أو 20 سنة حينما تتحول تلك الابتكارات إلى منتجات قابلة للتسويق. إن تنافسنا العالمي معتمد على كوننا منشأ لأحدث وأفضل الأفكار. كيف لنا أن نحتل موقع الصدارة إذا كانت تلك الأفكار نابعة من مصدر آخر؟ تتنوع الإجابات على هذا السؤال ما بين إجابات مخيفة إلى أخرى أكثر تخويفا. تخيل اقتصادا عالميا تلعب فيه الولايات المتحدة دور اللحاق بالصين: بينما ستجد طبقة صغيرة من الأميركيين بالتأكيد وسيلة لتحقيق أرباح، فإن معظم العاملين سيحققون مكاسب أقل، وستتسع الفجوة بين الطبقات بدرجة أكبر من ذي قبل.

لسوء الحظ، ليس ثمة الكثير لمنع هذا الاتجاه. فنفقات الأبحاث الحكومية (المرتبطة بإجمالي الناتج المحلي) آخذة في الهبوط منذ وصولها إلى ذروة ارتفاعها في سنوات سباق الفضاء في الستينات من القرن الماضي. ونظرا لأنه من شبه المستحيل تخيل أن يقوم الكونغرس بزيادة حجم تمويل الأبحاث، فإن أي زيادة في عمليات البحث والتطوير طويلة الأمد ستلقى على كاهل القطاع الخاص. وتلك هي المشكلة الحقيقية. فمن منظور الرئيس التنفيذي، تعتبر عمليات البحث والتطوير استثمارا رديئا. تكلف المشاريع أموالا طائلة وعادة ما تبوء بالفشل. وحتى عندما تحقق النجاح، يكون من المحتمل أن تأتي شركة أخرى وتنقل جميع أفضل الأفكار مجانا.

أخبرني تشارلز هوليداي جي آر، الرئيس التنفيذي لشركة «دو بونت»، الذي تقاعد قبل ثلاثة أعوام، أنه من الصعب جعل المستثمرين يفكرون عامين للأمام - على الأكثر. «سوق الأوراق المالية تدفع لك مقابل ما يمكنك القيام به الآن»، هذا ما قاله. نتيجة لذلك، ليست «دوبونت» الشركة الأميركية الوحيدة التي تغير الطريقة التي تنهض من خلالها بعمليات البحث والتطوير. كذلك، تم تقليص حجم معامل الأبحاث في شركات «آي بي إم» و«إيه تي أند تي» و«زيروكس» وغيرها من الشركات الأخرى، أو التخلص منها كلية.

لا يمكن للحكومة تمرير قانون يفرض على الشركات التفكير طويل الأجل. غير أن الكونغرس يمكنه القيام بأعمال أخرى، مثل إلغاء الحوافز على العمليات قصيرة الأجل المنتشرة. على سبيل المثال، يمكن أن تقلل ضرائب المكاسب الرأسمالية على الأسهم المودعة لعدة سنوات. أو بإمكان الشركات تشكيل فئات مختلفة من الأسهم، بمنح مزيد من حقوق التصويت لهؤلاء الذين يحملون الأسهم لفترات أطول. وتتمثل فكرة أخرى شائعة بين رجال الأعمال في اجتذاب طلاب الدكتوراه الأجانب لتطوير أفكارهم الخاصة الجديدة داخل الولايات المتحدة.

ربما لم يكن التساؤل المتعلق بكيفية كسب أموال بسرعة وسهولة أكثر أهمية على الإطلاق من قبل من أهميته الآن. فمع انتهاء حرب وكون حرب أخرى على وشك الانتهاء، سرعان ما سيدخل آلاف الشباب، في سن الخامسة والعشرين وما دونها، كثير منهم لا يحملون درجات جامعية، ضمن قوة عاملة من دون وجود مكان لهم. (ويقارب معدل البطالة بينهم ضعف المتوسط الوطني المتدني أصلا.) ليست لدينا أدنى فكرة بشأن كيف يمكن لخبير حرب عراقي أن يكسب قوت يومه بعد عقد أو اثنين من الآن. يمكننا فقط أن نأمل أن يكون ما زال هناك شخص يدفع له من أجل اكتشاف ذلك.

* خدمة «نيويورك تايمز»

* المؤسس المشارك لـ«إن بي آرز بلانيت ماني»