عام القائد المرتبك

TT

لندن – كان هذا عاما نادرا ما سارت فيه الأحداث على النحو المتوقع، فيما بدت معظم بقاع العالم محاطة بحالة من الاهتياج وعدم اليقين. كان من الصعب بمكان على محللي الحكومة في واشنطن تحديد موقعهم على الخريطة، ناهيك عن الوجهة التي يقصدونها.

وبدلا من مبدأ «ضبابية الحرب» الشهير لكلاوزفيتز، أصبح لدينا مبدأ «ضبابية الثورة»، وما تبعها من «ضبابية السياسة».

إذا كنت تبحث عن صورة موحدة لعام 2011، فثمة اختيارات عديدة واضحة: أحدها «المتظاهر»، وهو من وقع اختيار مجلة «التايم» عليه ليكون شخصية العام. وهناك اختيار آخر، ألا وهو «الإرهابي القتيل»، أسامة بن لادن، والذي سجل مقتله النهاية المثيرة للمشاعر لعقد ما بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

وفي نظرتي لنهاية هذا العام، سأركز على صورة ثالثة، ألا وهي «القائد المرتبك». لقد قدم لنا هذا العام كثيرين ممن يمكننا ترشيحهم لهذا اللقب، بدءا من الرئيس أوباما، الذي تم انتقاد أسلوبه المتحفظ في الإدارة بالقول إنه «يقود من الصفوف الخلفية» إلى القادة الأوروبيين عديمي النفع، وعلى رأسهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، اللذين كرسا جهودهما خلال العام لمحاولة علاج الأزمة الاقتصادية التي تعصف ببلديهما؛ ووصولا إلى ديكتاتوريي نظام السوق الحرة فلاديمير بوتين في روسيا وهو جنتاو في الصين، اللذين ينظران باستعلاء لمواطنيهما البارعين في استخدام التكنولوجيا.

ولا ننسى أكثر القادة ارتباكا على الإطلاق – الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك والرئيس اليمني علي عبد الله صالح (الذي قال إنه سيتخلى عن السلطة في فبراير / شباط) والرئيس الليبي السابق معمر القذافي (المقتول)، والرئيس السوري بشار الأسد (الذي ربما يكون قد أوشك على استنفاد قوته وموارده).

وبالنظر إلى الشكوك التي تواجه العالم، ربما يكون الحظ قد حالف الولايات المتحدة في امتلاك رئيس «بعيد عن الإثارة» سعى لتجنب الأخطاء. لكن من الواضح أن عام 2011 كان بمثابة درس في تقلص سلطة الولايات المتحدة. وسيتمثل أحد أبرز المسائل الجدلية بالنسبة للحملة الانتخابية لعام 2012 فيما إذا كانت استعادة مكانة أميركا ممكنة، وفي إطار أي حدود.

كان هذا عاما يعج بالتناقضات: انتهت حركة الاحتجاجات التي اندلعت في تونس وقادت إلى الربيع العربي بتمكين الجماعات السياسية الإسلامية بمختلف أنحاء الشرق الأوسط، إلى حد أن بعض العرب العلمانيين يخشون من أن يتحول هذا الربيع إلى «شتاء للإسلاميين» الآن، مما يؤدي إلى حرمان المرأة والأقليات من حقوقهم. في مصر، تحول الجيش الذي ظهر في بداية العام كحليف للمتظاهرين إلى عدو لهم في نهايته؛ شهدت انتفاضة ميدان التحرير تقلبات في نهاية العام، وبدت في المعتاد وكأنما تضيف فصلا محزنا إلى كتاب كرين برينتون «تشريح الثورة»، الذي يقدم فيه دراسة حول كيفية انحراف هذه الثورات عن مسارها.

وماذا عن الإسلامي المتطرف؟ كانت مفارقة عام 2011 هي أن تنظيم القاعدة، أبرز المنظمات الإرهابية، بدت على وشك الهزيمة بمقتل بن لادن، فيما بدأ الثقل السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الصعود في تونس ومصر وسوريا – ناهيك عن تركيا، التي بدت في عام 2011 وكأنها تسعى إلى التمتع بمكانة إمبراطورية عثمانية جديدة، مع وجود أوباما كمدعم وأحيانا كمؤيد للقضية.

تجلى أكثر مثالين إثارة للقلق للقائد المرتبك في أوروبا وباكستان. وعلى الرغم من كونهما منطقتين منفصلتين عن بعضهما البعض من الناحية الثقافية، فإنهما قد شهدتا عاما عجز فيه القادة السياسيون عن مواجهة تهديدات وجودية.

وما زالت أوروبا تمثل لغزا محيرا في نهاية العام، خاصة ألمانيا التي تتصرف وكأن بإمكانها إنقاذ اقتصاد القارة بأكملها. من المؤكد أنه ستكون هناك حاجة ماسة لسياسة مالية منسقة وإجراءات تقشف من أجل مستقبل منطقة اليورو. لكن المطلوب الآن هو المرونة والنمو، اللذان يدعمهما بنك مركزي أوروبي يمكنه أن يعمل، كالاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة، كمقرض للملاذ الأخير.

غير أن الألمان لا يرغبون في ذلك النوع من العلاج. من الأفضل للأوروبيين المبذرين أن يعانوا، ومن ثم، فسوف يعانون بالفعل، ما لم يتمكن ماريو دراغي، رئيس البنك المركزي، من أن يحقق خلسة ما منعه الألمان (المدعومون باتفاقيات منطقة اليورو) من القيام به بشكل معلن.

وتعتبر باكستان أكثر الأمثلة المرعبة لفشل القيادة خلال العام. إنها قصة تسهم فيها السياسات الأميركية التي استمرت تلعب دورا في زيادة حالة عدم الاستقرار داخل باكستان.

وعلى مدار عام 2011، هزم الجيش الباكستاني الرئيس سيئ الحظ آصف علي زرداري، وكأنه لم يكن أكثر من مجرد قطعة ورق مقوى لونها صارخ. سعت حماسة الجيش إلى التغطية على فشله – العثور على زعيم تنظيم القاعدة كان مختبئا في مكان واضح – ومقاومة حركة تمرد من قبل جماعات إسلامية متطرفة تهدد إسلام آباد بدرجة تفوق بكثير تهديد الولايات المتحدة لها. وتعتبر نهاية هذا العام واحدة من تلك النهايات التي يحتمل أن ينظر إليها المؤرخون باعتبارها «نقطة مفصلية». والحقيقة أن الأمر المخيف هو أننا لا نعلم حتى الآن إلى أي اتجاه سيميل مفصل الباب. ستتحلى أميركا بالقدر الكافي من الحكمة بحيث تقوم بالمزيد في عام 2012 للتأكد من أن النقطة المفصلية تمثل بداية وليس نهاية.

* خدمة «واشنطن بوست»