حديث الصواريخ

TT

في السياسة الإيرانية شيء غريب، قد يكون مقصودا أو غير مقصود، ويعكس طبيعة الصراعات الداخلية بين مراكز القوى المتعددة، مثل التهديدات الأخيرة التي أطلقها مسؤول إيراني بشأن إغلاق مضيق هرمز - الذي يمر منه نحو 40 في المائة من إمدادات النفط العالمية - في حال فرض حظر على شراء النفط الإيراني.

فبعد يوم من إطلاق التهديدات تم التقليل من أهمية هذه التصريحات من قبل طهران، التي تجري مناورات حاليا على إطلاق أنواع مختلفة من الصواريخ، وخرج مسؤول عسكري بتفسير مختلف لها على أنها شيء من الماضي، ليعود أمس الحديث، بعد إطلاق صاروخين جديدين، عن مناورات وهمية لإغلاق المضيق أو الاستعداد لأي سيناريوهات، على الرغم من أنه لا يوجد قرار اتخذ بذلك.

وبينما أشار القائد العسكري الإيراني إلى أن مراقبين سوريين سيحضرون اليوم الأخير من المناورات، وهي إشارة ذات مغزى إلى التشابك والتداخل الإقليمي فيما يحدث في المنطقة، وخوف طهران من تغيير في سوريا. من المؤكد أنه لن يكون من صالح إيران، صدرت إشارات من قبل المفاوض النووي الإيراني إلى استعداد طهران لمفاوضات مع الأوروبيين بشأن الملف النووي، أي ببساطة الباب مفتوح للكلام بصرف النظر عن الصواريخ والتهديدات.

التوتر عال بسبب هذه المناورات والتصريحات، لكن على أرض الواقع بعيدا عن مشاهد السفن الحربية والصواريخ، فإن الطلقات الحقيقية اقتصادية، آخرها القرار الذي وقعه الرئيس الأميركي بمعاقبة المؤسسات المالية التي تتعامل مع البنك المركزي الإيراني. وعلى أثره تدهور وضع العملة الإيرانية، لأن معنى ذلك أن مشتري النفط الإيراني سيواجهون صعوبات بالغة في إجراء التعاملات المالية المتعلقة بهذه الصفقات. في نفس الوقت يدرس الأوروبيون، الذين يعدون بين كبار مشتري النفط الإيراني وقف شرائه، وهو قرار لو اتخذ بعد القرار الأميركي سيكون مفعوله أكثر إيلاما من معركة بالصورايخ، لأنه سيعني خنق الاقتصاد وخلق ضغط لا يُحتمل على الحكومة الإيرانية التي ستكون في وضع أشبه بوضع صدام حسين في العراق في آخر 5 سنوات من حكمه؛ تدير تعاملاتها من الأبواب الخلفية، عبر التهريب والسوق السوداء للعملة.

كل هذا مؤشرات تصعيد وتسخين شديد في الأزمة المستمرة منذ سنوات، لكنها الآن بدأت تأخذ منحى أكثر خطورة، بتساؤلات أصبحت تطرح بشكل أكثر إلحاحا، وهي: هل سيكون عام 2102 هو عام الحرب؟ المؤكد أنه لا أحد يسعى أو يريد ذلك، لكن ذلك لا يمنع الانزلاق إليها، ولو بخطأ في الحسابات.

ويمكن أن يكون حديث الصواريخ هذا ضمن الأخطاء في الحسابات، فمن السهل قراءة أن هناك رهانا إيرانيا على أن الدول الغربية التي تفاوضها على ملفها النووي مشغولة بأزمة اقتصادية عالمية عاصفة، ومن شأن أي حرب أن تقود إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط يشكل ضربة لأي خطط لإنعاش الاقتصاد العالمي، خاصة مع التلويح بإغلاق هرمز، وخطأ الحساب أنه لو كان ذلك صحيحا لما ناقشت الدول الأوروبية حظر النفط الإيراني.

وكان هناك شيء مشابه للوضع الحالي في الثمانينات خلال ما سمي وقتها بحرب الناقلات في ذروة الحرب العراقية - الإيرانية، وكانت الناقلات العملاقة المحملة للخام تقصف، ودمرت منصات وحقول نفطية ظلت مشتعلة وتضخ الخام لشهور طويلة في مياه الخليج، ولم تتوقف تجارة النفط أو مضيق هرمز.